كتبت "الأخبار": الإدارة الأميركية تعرقل تأليف الحكومة. ببساطة، هذا هو المسبب الرئيسي لتوقف المفاوضات ولانعدام الحلول الداخلية. إزاء ذلك، يقف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مكبّلاً وغير قادر على الاعتذار أو التأليف. في غضون ذلك، رفع رئيس التيار الوطني الحر سقف التحدّي في وجه الإدارة الأميركية، مؤكداً مرة أخرى تحالفه الوثيق مع حزب الله.
زار رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، رئيس الجمهورية ميشال عون ظهر أمس للتباحث بشأن الموضوع الحكومي. لكن منذ مدة، لم تعد هذه الزيارات ذات جدوى نتيجة الدوّامة التي أدخل الحريري نفسه طوعاً فيها. فبات كمن يفتش عن نشاطات يملأ بها وقته، ومنها زيارة قصر بعبدا كل يومين ولو أنه لا يحمل أي حلول أو تسهيلات. فيما نصيحة الرئيس عون الدائمة له تقتصر على ضرورة لقائه كل الكتل النيابية قبيل الاتفاق الأخير معه، الأمر الذي يرفضه الرئيس المكلف حتى الساعة. لذلك، كل الإشارات والمعلومات تشير الى أن فرص تأليف الحكومة منعدمة، وهو ما أدركه الحريري شخصياً بعد لقائه السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، التي أبلغته رفض بلادها تمثيل حزب الله في الحكومة، مباشرة أو عبر ما يسمى بالاختصاصيين. فيما كان الحريري حتى موعد اللقاء يعوّل على «غض طرف» أميركي عن هذه المسألة. هذا الشرط «التعجيزي»، معطوفاً على فرض الفرنسيين اسمَي وزيرَي المالية والطاقة، كبّل رئيس الحكومة الذي كان يملك ترف تأليف الحكومة في الأسبوع الأول عبر اتفاق داخلي، لكنه فضّل رفع سقف طلباته وتصفية حساباته الشخصية، فشرّع باب الانهيار على وسعه.
وسط ذلك، كان رهانه لا يزال قائماً حتى يوم أمس على بيان أميركي فرنسي شديد اللهجة يجبر الأطراف على تقديم تنازلات له، لكن رهانه خاب مجدداً. واليوم، بات الحريري أسير «فرمانات» الإدارة الأميركية، ولا سيما أنه لا يملك شجاعة تجاهلها لتأليف حكومة يراها خدمة لـ«لبنان أولاً» ومحاولة للنهوض من الانهيار الاقتصادي الذي تسبّب به النموذج الذي لا يزال، مع قوى سياسية حليفة وشريكة له، متمسكاً به. وهنا، خلافاً لما يروّج له وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن «جهود أميركية لإقامة حكومة مستقرة تركز على الإصلاحات في لبنان»، فإن الولايات المتحدة هي المعرقل الأول لما تحدّث عنه الأخير، وشروطها تحول دون تأليف حكومة وطنية تتمثل فيها الكتل النيابية بما فيها حزب الله. بمعنى آخر، منذ نحو أسبوعين تغيّر المناخ الأميركي الذي كان يُظهر «قلة اكتراث» تجاه الوضع اللبناني، لتحلّ مكانه أجواء متشددة ترفض دخول حزب الله الى الحكومة. ليس الأمر مخفياً، بل عبّر عنه بومبيو أمس خلال لقاء مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، لافتاً الى «ضرورة محاربة تطرّف حزب الله العنيف». الأهم في هذا كله، أن الأجندة الأميركية التي تحمل بنداً واحداً يتمثل بعرقلة تأليف الحكومة وإقرار الإصلاحات، وجدت في لبنان من يخضع لها وينفذ «عقوباتها» بحرفيّة تامة. لذلك، يبدو الحريري مرتبكاً، لا هو قادر على التأليف ولا بوسعه الاعتذار لينضمّ الى قافلة الذين سمّاهم وأسقطهم بنفسه. الحل الأفضل له حتى اليوم هو شراء المزيد من الوقت، ومضاعفة رهاناته الخارجية.
في موازاة انصياع الحريري لأميركا، رفع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل التحدّي مجدداً يوم أمس في وجه الولايات المتحدة، معلناً استعداده لترك الحياة السياسية إذا ثبتت عليه أي تهمة فساد، سائلاً كيف لدولة كبيرة مثل أميركا «التي تمسك بكل حوالة مال في العالم، ألا تستطيع أن تكشف كل شيء؟ علماً بأني أول من كشف حساباته للرأي العام اللبناني». ولفت باسيل خلال مقابلة على قناة «العربية ــــ الحدث» السعودية أنه كان «محتاطاً لاحتمال نشر محاضر اللقاءات بينه وبين الأميركيين، وكلما كان يتكلم كان يفكر بويكيليكس». واعتبر قول السفيرة الأميركية أنه وعد بفك التحالف مع حزب الله بشروط، «محاولة فاشلة لدق اسفين... فإذا أردنا فك التحالف نفعل ذلك بإرادتنا ووفق المصلحة اللبنانية وليس بإرادة خارجية تكون نتيجتها العبث بالسلم الأهلي. وعلى افتراض أننا نريد فك التحالف، نخبر صاحب العلاقة ونبحث معه قبل ذلك معالجة الموضوع، وعندما نيأس من ذلك نقوم بالأمر... أما ما هو معتاد لدى البعض من خيانة وغدر ومسّ بثوابت وطنية خدمة لأغراض لا نعرفها، فهذا غير مقبول عندنا». وأكد أن لبنان استفاد من العلاقة بين التيار الوطني وحزب الله، مشيراً الى أن «التاريخ علّمنا أن عزل أي طائفة يؤدي الى انفجار، وهنا نتحدث عن مكوّن بكامله وليس فقط حزب الله». ورداً على طروحات فك التحالف مع الحزب قال: «أقول للأميركي بصوت عال، أعطني ما يحفظ أمن لبنان واستقراره وقوته وعدم الاعتداء عليه، فأذهب على رأس السطح وليس عالسكت وأقول لحزب الله ذلك بالمباشر، ثم أخبر اللبنانيين أن هذا ما يأتي للبنان ثمناً لقطع العلاقة. أعطونا التزاماً أميركياً ودولياً بتقوية لبنان وإعادة أرضه وإعادة النازحين، وأن يصبح لدينا دولة قادرة ــــ بالتوازن العسكري الاستراتيجي ــــ أن تواجِه، فهذا أمر أضعه على طاولة التفاوض مع حزب الله والداخل اللبناني... أي برنامج فعلي وليس فقط وعود».
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا