كتب غسان ريفي "سفير الشمال": لا شيء يوحي بإمكانية تحقيق أي ثغرة إيجابية في الجدار الحكومي الذي يبدو أنه يزداد سماكة وإرتفاعا، مع تراجع التأثير الايجابي للمبادرة الفرنسية، وغياب المبادرات الداخلية، وإزدياد التعقيدات وحالات الارباك ضمن المشهد السياسي العام.
الكل يريد المبادرة الفرنسية، والكل يطعن بها من خلال السعي الى ترجمتها وفق ما تقتضيه مصالحه، والكل يريد المصلحة الوطنية والكل يعمل عكسها، والكل يريد الاسراع في تشكيل الحكومة والكل يعطلها، والكل يريد الانقاذ الاقتصادي والمالي والكل يمعن في أخذ البلد الى الإنهيار، وذلك في حفلة من التكاذب الى حدود النفاق، فيما اللبنانيون يدفعون ثمن خلافات لا ناقة لهم بها ولا جمل، وقد يواجهون المجاعة الى حدود الموت البطيء بسبب تيارات سياسية تقول ما لا تفعل وتضمر غير ما تعلن، وبفعل سلطة غير مسؤولة تقود البلاد الى الانهيار.
يمكن القول إن الموفد الفرنسي باتريك دوريل عاد محبطا الى فرنسا، أو إذا صح التعبير “مفجوعا” بسياسيين لا هم لهم سوى تحقيق مصالحهم ولو أدى ذلك الى تدمير بلدهم وقتل شعبهم.
إستمع دوريل ممن إلتقاهم ما يندى له الجبين من طروحات هابطة وإتهامات متبادلة تقول “إن الحريري يريد تصفية حساباته مع جبران باسيل وإضعافه مسيحيا، ويصر على تسمية الوزراء المسيحيين بمعزل عنه، فيما يسمح للثنائي الشيعي والمكون الدرزي بتسمية وزرائهم.. وأن باسيل يكمن للحريري على الكوع بدعم من رئيس الجمهورية لاجباره على مزيد من التنازلات التي تثير غضب شارعه عليه، ولوضع يده على الحكومة وصولا الى حصوله على الثلث المعطل، وهو أمر لا يقبل به الحريري، فيما الثنائي الشيعي يقف الى جانب باسيل، بالرغم من عاطفة الرئيس نبيه بري تجاه الحريري والتي تتناقض مع حزب الله في دعمه المطلق لباسيل خصوصا بعد العقوبات الأميركية التي فرضت عليه.
وفي الوقت نفسه، فإن الحريري يقتنع بتشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية يوافق على ما يوافق عليه جبران باسيل، وباسيل يوافق على ما يوافق عليه رئيس الجمهورية، والثنائي الشيعي يوافق على ما يتوافق عليه الأطراف الثلاثة، والأطراف الثلاثة لا يتوافقون على شيء بل هم قدموا شكاوى رسمية الى الموفد الفرنسي بحق بعضهم البعض، ما دفعه الى فرض إتصال على باسيل والحريري كان لزوم ما لا يلزم.
في ظل هذه الدوامة، وهذا الدوران في الحلقة المفرغة، تتجه فرنسا بعد عودة باتريك دوريل وتقديمه تقريرا سلبيا عن نتائج زيارته للرئيس إيمانويل ماكرون، الى إنتظار مهلة الانذار الأخير الذي أعطته بضرورة تشكيل حكومة قبل أعياد نهاية العام لتبني على الشيء مقتضاه، وإذا لم تجد تجاوبا مع إنذارها، فإنها قد تلجأ الى إلغاء مؤتمر الدعم الاقتصادي الذي يعود ريعه المالي الى الدولة اللبنانية في إطار عملية الانقاذ من الانهيار، وإستبداله بمؤتمر إنساني يعود ريعه المالي الى المنظمات الانسانية وهيئات المجتمع المدني بمعزل عن السلطة الرسمية، على أن يترافق ذلك مع إلغاء زيارة الرئيس ماكرون الى لبنان، أو إقتصارها على تهنئة الكتيبة الفرنسية.
تشير المعلومات الى أن الرسالة الفرنسية باتت واضحة فبعد أن جرى تقديم تنازلات عن عدة بنود في مبادرة الرئيس ماكرون بهدف تسهيل التوافق بين الأطراف المعنية، كان تأكيد للجميع بأن لا مؤتمر دعم، ولا صندوق نقد دولي، ولا مساعدات ولا تقديمات ولا أموال من دون حكومة “مهمة” تنفذ الاصلاحات المطلوبة!.