إذا لم يبنِ رب البيت فعبثًا يبني البناؤون. وإذا لم يبادر اللبنانيون إلى إنقاذ ما يجب نقاذه قبل "خراب البصرة"، وقبل أن تسيطر الفوضى العارمة، وتعمّ كل لبنان، فعبثًا يتعب الفرنسيون والأميركيون والأشقاء والأصدقاء والغيورون على مصلحة لبنان أكثر من بعض اللبنانيين.
ما قالته السفيرة الأميركية دورثي شيا عن أن بلادها "تريد تحاشي فشل الدولة في لبنان ، ويجب أن تكون لهذا الأمر الأولوية القصوى، لكن لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلاً أكثر من رغبتهم هم فيه"، كان قاله وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان في أول زيارة له للبنان، عندما قال إنه إن لم يساعد اللبنانيون أنفسهم لا يمكن لأحد أن يساعده، وأنه لا يمكن أن تحب فرنسا لبنان أكثر مما يجب أن يحبه أبناؤه أولًا وأخيرًا. فهل من يعي، أم أن المصالح الشخصية الضيقة والصغيرة تصمّ الآذان وتجعل من الإصغاء إلى النصائح أمرًا متعذّرًا؟
"ساعدوا أنفسكم قبل أن تطلبوا من الآخرين مساعدتكم". هذا ما يجب أن يفهمه جميع اللبنانيين، الذين نرى معظمهم يبدّون مصالحهم الخاصة على مصلحة لبنان الآيل إلى إنهيار ما بعده قيامة. وإذا هوت المصلحة الوطنية فإن المصالح الخاصة لا تعود تنفع اصحابها بشيء على الإطلاق، لأنه في حال غرق المركب فإن جميع من عليه سيغرقون.
فإذا كان للأميركيين أو الفرنسيين شروطهم لكي تبصر الحكومة النور فهو في منطق المصالح أمر جائز ومقبول إلى حدّ ما، بإعتبار أن لا دولة أجنبية هي في نهاية المطاف جمعية خيرية أو "كاريتاس" تعطي مجانًا لأنها أخذت مجانًا. أما أن يفرض اللبنانيون على بعضهم البعض شروطًا وشروطًا مضادة فهو لأمر غير مفهوم وغير مقبول، ولا يمكن للمنطق السليم التسليم به، مع الإشارة إلى أن الجميع، وفي تصريحاتهم العلنية، يبدون حرصًا منقطع النظير عن إستعدادهم للتضحية من أجل قيام حكومة، أيًّا يكن شكلها، فيما يضمرون عكس ما يصرحون به، وهم يتصرّفون من تحت الطاولة، وبكل ما أوتوا من قوة، من أجل عرقلة ولادة الحكومة، خاصة في هذه الظروف المصيرية، التي لا تحتمل ترف الدلع السياسي، في الوقت الذي يشهد العالم على سقوط لبنان، الذي لن يجد من يمدّ له يد العون لإنتشاله من قعر الهاوية.
الأخبار تتوالى، وفي شكل تصاعدي، عن أن أسعار الخبز والدواء والمحروقات ستتضاعف ثلاث مرّات عن أسعارها الحالية، ما يعني أن أغلبية اللبنانيين لن يتمكنوا من تأمين الخبز لعيالهم ولا الدواء لمرضاهم ولا المحروقات للتدفئة في فصل الشتاء وللتنقل، الأمر الذي ينذر بأوخم العواقب، حيث من المتوقع أن تدّب الفوضى في كل أرجاء الوطن، بعد أن ينزل المواطنون الرافضون أن يموت أبناؤهم من الجوع إلى الشارع ، ومعهم سينزل اصحاب الغايات، الذين سيستفيدون من هذه الأجواء للعبث بالأمن ولبث الذعر في صفوف المواطنين الخائفين على مصيرهم في وطن قد تصبح الحياة فيه مكلفة جدًّا.