كتب خالد أبو شقرا في "نداء الوطن" قبل انسحاب شركة التدقيق الجنائي "ألفاريز آند مارسال" في العشرين من هذا الشهر إقترح المحامي كريم ضاهر في حديث خاص مع "نداء الوطن" إستخدام رئيس الجمهورية الفقرة 10 من المادة 53 وتوجيه رسالة إلى مجلس النواب، يطلب فيها بمادة وحيدة الا تحول السرية المصرفية دون اتمام التدقيق الجنائي مهما كانت الاسباب والحسابات. وان يصوت النواب على اقتراح القانون وفق ضميرهم وبأسرع وقت ممكن. وهذا ما حصل ولكن متأخراً. فسيف انسحاب "ألفاريز"، في العشرين من هذا الشهر كان قد سبق "عذل" الرسالة التي توجه بها الرئيس منذ يومين، محيداً نفسه عن مسؤولية تفشيل التدقيق ورامياً الكرة في ملعب المجلس ورئيسه. فهل ما زالت الرسالة تنفع بعد مغادرة الشركة؟
مواقف النواب على المحك
الجواب رهن كيفية تعامل مجلس النواب غداً مع تمريرة الرئيس عون. "فإما يكتفي الرئيس نبيه بري باستقبال الرسالة وتلاوتها، وإما يمررها إلى النواب، من خلال الدعوة إلى جلسة تصويت سريعة على أحد مقترحات القوانين المعجلة المكررة، لرفع السرية التي تقدم بها كل من الجمهورية القوية واللقاء التشاوري"، يقول ضاهر. "وعندها تسقط ورقة التين ويظهر للعلن مَن مع، ومَن ضدّ الإصلاح والتدقيق الجنائي". وهنا تكمن قوة الرسالة بأنها "معرّية" لمواقف الجميع. "فاذا توقفت العملية عند الرئيس بري، يُبرّأ عندها النواب ورئيس الجمهورية"، بحسب ضاهر. "أما إذا تخلص الرئيس بري من كرة النار برميها على النواب، فعندها تصبح المسؤولية على ممثلي الشعب. فإما أن يوافقوا على التصويت علانية وبالمناداة وإما تنفضح مواقفهم من الإصلاح والتدقيق الجنائي".
عود على بدء
تخاذُل النواب أو رئيسهم عن رفع السرية المصرفية لتسهيل عمل التدقيق الجنائي لا يعني ضرورة التسليم بالفشل. فبهذه الحالة تعود الكرة بتمريرة طويلة من ساحة النجمة إلى السراي الحكومي. خصوصاً ان التدقيق الجنائي يعتبر موضوعاً مصيرياً. ولا نجاح للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا تدفق للمساعدات، ولا مؤتمرات دعم وهبات قبل تحديد الفجوة المالية الهائلة في مصرف لبنان. فالتدقيق الجنائي يعتبر واحداً من أهم الشروط الدولية لانقاذ لبنان. وهو منطلق أساسي للاصلاح في القطاع المصرفي لتحديد المسؤوليات واستعادة الثقة..
إنطلاقاً من هذا الواقع لا يمكن للحكومة أن تقف مكتوفة اليدين وترضى وتسلّم بمشيئة مجلس النواب بتعطيل التدقيق الجنائي. فعلى الحكومة المستقيلة مسؤولية إعادة مسك الملف لحفظ ماء وجهها. وذلك بعدما مضت بالتدقيق الجنائي من دون أن تذلل كل العقبات التي يمكن ان تعترضه، وقد بينت عن جهل بالقوانين وتسرع من دون تقدير النتائج المترتبة على مثل هذا التهور. وهنا يبرز أمام الحكومة أكثر من وسيلة للتخلص من كرة النار، بحسب ضاهر، ومنها: - أن تأخذ على عاتقها المسؤولية الجنائية لخرق مصرف لبنان السرية المصرفية إنطلاقاً من مبدأ الضرورات تبيح المحظورات، وبناء على المادة 185 من قانون العقوبات. - أن تطلب من النيابة العامة التمييزية تحريك الملف أمام هيئة التحقيق الخاصة مطالبة إياها بالتدقيق في حسابات المركزي. عندها سيكون على حاكم مصرف لبنان بصفته الرئيس الأعلى لهيئة التحقيق التنحي جانباً نظراً لتعارض المصالح. وبامكان هيئة التحقيق الخاصة تطبيق المادة الثانية من القانون 44/2015، والتعاقد مع شركة تدقيق جنائي في حسابات المركزي ولا مانع ان تعود "ألفاريز" نفسها. وفي هذه الحالة ونظراً لان الشركة تعمل تحت سلطة هيئة التحقيق الخاصة تنتفي الحاجة إلى رفع السرية المصرفية، كون المادة الثامنة من القانون 44 تنص على ان السرية المصرفية لا تستقيم أمام مفوضية المراقبة للمنتدبين من قبل هيئة التحقيق الخاصة.
الحل المستحيل
أما ثالث الوسائل لرفع السرية المصرفية بعد فشل مجلس النواب والحكومة فهو أن يبادر حاكم مصرف لبنان بنفسه الى طلب التدقيق الجنائي، انطلاقاً من موقعه كرئيس هيئة التدقيق الخاصة. إلا ان هذا الطرح يعتبر من "سابع المستحيلات" بحسب أوساط متابعة لموقف حاكم مصرف لبنان من التدقيق الجنائي.
رفع السرية والحلول
في حال كانت النوايا صافية و"دب عقل الرحمن" في نفوس المسؤولين، فبالامكان دعوة رئيس مجلس النواب إلى جلسة للتصويت على مشروع القانون المعجل المكرر، لرفع السرية المصرفية لفترة وجيزة بما يتيح تسهيل عمل شركة التدقيق الجنائي. ولا يمكن، بحسب ضاهر، "التحجج بأن المجلس منعقد ضمن العقد العادي لمناقشة مشروع الموازنة. حيث سجل المجلس سابقة في العامين 2015 و2016 عندما شرع قوانين الضرورة المالية ضمن العقد الحالي". أما لجهة الحكومة فبامكان وزير المال إعادة التعاقد مع شركة تدقيق جنائي بنفس الشروط التي عقدت مع "ألفاريز"، إنطلاقاً من أن القرار متخذ في الحكومة قبل استقالتها.
المفارقة ان القوانين على قوتها قد تعجز عن إجبار المسؤولين بالمضي خطوة واحدة إلى الأمام بما خص التدقيق الجنائي. وحدها الآمال معقودة على النيات، مع العلم المسبق من قبل الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني والخبراء والجهات الدولية.. أنها غير صافية. وغداً لناظره قريب.