ما أجمل شعور الأم وإحساس الأمومة.. تسعة أشهر، يتكوّن في أحشائها كائن يملأ عالمها ويغيّر حياتها وزوجها. هذه هي سُنّة الحياة: أنت تُعطى الحياة، لتَمنَحَها بدورِك لشخصٍ آخر يُكمل المسيرة. يُولد الطفل صبيًا كان أم فتاة، ليقدم الفرحة والبسمة والأمل، من دون أن نتناسى عذاب الأمّ وألمها وتضحياتها من أجل تربية ممتازة لا يشوبها الخطأ، كي يتحول هذا الأمير الصغير ملكًا عظيمًا.
ما أجمل الأمّ وما أروع ما تمنحه.. لكن ماذا لو كانت هذه الأم، أمًّا غير بيولوجية؟ هل يبقى شعور الأمومة مع الولد المُتَبَنى هوَ هوَ أم يتغيّر؟ من الطبيعي أن تقدّم الأم ذاتها لطفل من لحمها ودمها، ولكن ما أضخم الإنجاز الذي تحققه الأمّ غير البيولوجية. بقرار ذاتي، قرّرت أن تمنح الحياة لولد شاء القدر أن يخسر أهله الطبيعيين، بإرادة كاملة رفعت هذا الطفل من اللامكان إلى حضنها ليصبح "فلذة كبدها".
"صارِت متلنا وبتشبهنا"
"ريتا.. نعمة كبيرة" هكذا تبدأ ماريا س. حديثها عن ابنتها المتبناة منذ سنتين.. "أغلى شي بالدني لمّا تصرخ ماما"٬ وتضيف ماريا: "ريتا غيّرت جوّ البيت وصارت قطعة من قلبي. ما بيقطع لحظة براسي إنو منّا لإلنا٬ صارت متلنا، بتشبهنا، بتتصرف متلنا، وبتقلّدنا".
وتروي ماريا لـ"لبنان 24"، "أول مرة حضنتها بين يديّ شعرت أن هذا الشخص لم يعد لديه غيري. واليوم لم يعد هناك أي واجب٬ كل شيء أقوم به من كل قلبي من دون أن أشعر أو أفكر بأنه يجب القيام بهذا الشيء أم لا".
وتقول ماريا إن "قرار التبني ليس قرارًا سهلًا٬ من الطبيعي أنني كنت خائفة في البداية ولكن الآن لا يمكن وصف الفرح الذي أضفته إلى عائلتنا٬ وإذا سنحت الفرصة سأتبنى ولدًا آخر". وتتابع: "نحن في مجتمع تقليدي، وشيء غريب أن تتبنى في هكذا مجتمع٬ فكّرنا كثيرًا بما سيقوله الناس وكيف سيتصرفون"٬ وتوضح أن "اتخاذ القرار لم يأت بلحظة٬ وفجأة٬ بل أخذ وقتًا حتى أنني خضعت وزوجي لعلاج نفسي لمدة 3 أشهر٬ كي نتأكد من قدرتنا على التعامل مع الموضوع بشكل طبيعي وملائم قبل الإقدام على هذه الخطوة التي أكد لنا الطبيب النفسي أننا جاهزون لها".
أما بالنسبة للأقارب٬ تضيف: "في البداية الكبار في السن لم يتقبلوا الأمر٬ ولكن الموضوع لم يشكل حاجزًا أمامنا٬ هم ليسوا مجبرين أن يقبلوا الوضع ولا أن يحبّوها٬ برأيهم أن شخصًا غريبًا دخل العائلة. بالطبع أحب أن أرى اهتمامًا بابنتي ولكن لن نجبر أحدًا على تقبل الأمر ولا على حبّها٬ المهم أنا وزوجي وهي".
استعدادٌ نفسي.. وحنانٌ مفرط
من الناحية النفسية، توضح الأخصائية في علم النفس العيادي ماريز حايك لـ"لبنان 24"٬ أن "كل امرأة تملك غريزة الأمومة التي لا تكتمل ولا تتجسد إلا بحملٍ وولادة٬ ولكن عدم القدرة على الإنجاب تمسّ بأنوثتها٬ فتشعر بنقص ما٬ فالولد يملأ فراغًا كبيرًا. والأمر نفسه عند الرجل إن كان هو المسؤول٬ فالعقم يمسّ برجولته". وتضيف: "عند التبني٬ يصبح شعور الأمّ ذاته٬ لا بل تكون المسؤولية أكبر٬ كما الحنان٬ لأن الطفل المتبنى يكون شخصًا "مرغوبًا" (desire)٬ بإرادة تامة من الزوج".
وتشير حايك إلى "مشكلة أساسية قد تواجه الأهل عند التبني وهي عدم تحضير الأم بشكل صحيح لاستقبال الطفل٬ فلا تكون العلاقة بين الأم والطفل طبيعية٬ إذ أن رغبة الزوجة العارمة بالطفل و"حرقتها" تدفعها لتدليل الطفل وحمايته بشكل مفرط وترمي كل حنانها دفعة واحدة. لذا على المرأة أن تستعد نفسيًا قبل اتخاذ أي خطوة. بالإضافة إلى أن المرأة تشعر٬ في لا وعيها٬ بعقدة الذنب والشفقة على الطفل لأنها أخذته من الجمعية الموجود فيها (ولو إلى مكان أفضل)٬ فتصبح المسؤولية أكبر تجاهه٬ وبالتالي تعمل أكثر من قدرتها لأجله".
وتنصح حايك بـ"ضرورة تحضير الولد المتبنّى نفسيًا منذ عمر الثلاث سنوات٬ وإخباره بالموضوع بشكل تدريجي يتناسب مع عمره٬ كي لا يُصدم عندما يعلم بالأمر ويشعر بالتالي بعدم الثقة والخيانة ممّن حوله".
وتكشف حايك أن "أصعب الحالات التي تُواجهنا٬ لا تكون مع الأزواج الذين يرغبون ويقررون بنضوج التبنّي٬ بل مع الأشخاص الذين يتبنّون طفلًا ويبقون الأمر سرًا لأنهم ما زالوا غير قادرين على تحمّل فكرة عدم تمكنهم من الإنجاب".
إجراءت وهوية جديدة
أما في القانون اللبناني، يوضح المحامي شربل سكّر لـ"لبنان 24"، أن التبني مسموح بعد اتخاذ العديد من الإجراءات، بدءًا من تسليم أي ولد وُجد على الطريق إلى الجمعيات المعنية بقرار من النيابة العامة، من ثمّ يُنشر الخبر في الجريدة الرسمية للتأكد من عدم إيجاد الأهل الطبيعيين. وكل من يريد أن يتبنّى، يُقدّم طلبًا إلى إحدى الجمعيات، التي تدرس ملفّ الزوج؛ أوّلًا للتأكد من أن الزوج لا يمكنه بأي طريقة من الطرق الانجاب، وثانيًا للتأكد من أهدافه.
ويشير سكّر إلى أن قرار التبني يصدر من المحكمة الروحية ويتمّ تبليغ الدولة اللبنانية المتمثلة بوزارة الداخلية لتُصدر بالتالي هويّة جديدة للولد الذي كان يملك مسبقًا هوية "لقيط". ويضيف إن هذه الاجراءات بحاجة إلى 6 أشهر على الأقل مع متابعة مستمرّة للملف.
أما في الدين الاسلامي، فيوضح سكّر أنه لا يجوز التبني، بل يمكن لأي شخص أن يكفل ولدًا في دار الأيتام، ويتكفّل بالتالي بكل شؤون تربيته وتعليمه إلى أن يصبح قادرًا على تحمّل أموره بنفسه.
(خاص "
لبنان 24")