حين تحدث رئيس الحكومة السورية المؤقتة، محمد البشير، في أول حوار صحفي بعد توليه مهام منصبه، أكد أن البلاد تواجه وضعا ماليا صعبا، وهو وصف أقل ما يقال عن تحديات تقف أمام سوريا التي تخلصت من نظام بشار الأسد، لكن لم تتخلص من إرث العقوبات والوضع الاقتصادي المتهالك.
بعض الدول، ومن بينها الولايات المتحدة، أعلنت أنها مستعدة للتعامل مع الحكومة المؤقتة في سوريا، لكن السلطات الجديدة عليها أن تبرهن تصريحاتها "الإيجابية" بالأفعال، بجانب تشكيل نظام حكم يضمن تمثيل الجميع.
وأقر مجلس النواب الأميركي، الأربعاء، قانون تفويض الدفاع الوطني، ويتضمن تمديد عقوبات "قانون قيصر" حتى عام 2029، التي تنطبق على الأعمال التجارية في سوريا وأي مواطن يتعامل مع سوريا أو الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا.
ومن المتوقع إقرار قانون تفويض الدفاع الوطني في مجلس الشيوخ الأسبوع المقبل، وإرساله إلى البيت الأبيض حيث من المتوقع أن يقره الرئيس جو بايدن، قانونا.
"عند الصفر"
قال الخبير والمحلل الاقتصادي فراس شعبو، في حديث لقناة "الحرة"، الأحد، إن هناك "تفاؤلا حذرا في الشارع السوري" بعد الإطاحة بالأسد، مضيفا أن الواقع الاقتصادي "يشهد انهيارا في البنية التحتية، وتدهورا في العملة والناتج الزراعي والصناعي، وفي مجال الطاقة".
ووصف شعبو وضع الاقتصاد حاليا في سوريا بأنه "عند الصفر تماما.. فهو كأرض خصبة بحاجة إلى كل شيء".
واستطرد: "هذا أمر إيجابي، لكن بحاجة إلى عمل واستقرار سياسي، والدفع نحو جهود إعادة الإعمار والدعم الدولي، فلا تستطيع حكومة ناشئة بلا خبرة كبيرة، تأمين احتياجات دولة بحجم سوريا".
ويعيش أكثر من 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق تقديرات أممية. وتدهورت قطاعات النفط والتصنيع والسياحة وغيرها من المجالات الرئيسية في البلاد بسبب القتال لسنوات.
وتعمل شرائح كبيرة من السكان في القطاع العام المتهالك، حيث يبلغ متوسط الأجور الشهرية حوالي 300 ألف ليرة سورية (119 دولار تقريبا).
وتقول الحكومة المؤقتة إنها سترفع الأجور وتمنح الأولوية لتحسين الخدمات.
أزمة العملة
ارتفعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار بنحو 20 بالمئة على الأقل خلال اليومين الماضيين.
وحسب وكالة رويترز، فإن ذلك جاء في ظل تدفق السوريين من لبنان والأردن وإنهاء ضوابط صارمة على تداول العملات الأجنبية بعد سقوط نظام الأسد.
وأشار عاملون بالصرافة في دمشق، إلى أن أسعار الصرف تراوحت بين 10 آلاف و12500 ليرة مقابل الدولار، السبت، وهو فارق كبير بين 20 و50 بالمئة مقارنة بالسعر السابق عند 15 ألف ليرة، وسط تقلبات عالية في السوق.
وقال الخبير الاقتصادي، عبود يوسف، إن القوانين والعقوبات كانت تخلق حواجز أمام السياسات النقدية والمالية، مشيرا إلى أنه عند رفع العقوبات "سيتحسن الوضع".
واستطرد في حديثه لقناة الحرة، أن تحسن الأوضاع أيضا سيكون بالاستفادة "من مواردنا النفطية التي كانت مغيبة لأسباب كثيرة، مما سيخلق بيئة مالية قوية تشجع الاستثمار".
وعلى صعيد آخر، يدور جدل في الشارع السوري حول وقف العمل بالعملات النقدية التي تحمل صور بشار وحافظ الأسد، حيث أبدى مواطنون في تصريحات لقناة الحرة، الرغبة في عدم وضع صور لأشخاص على الأوراق المالية.
وأشار مراسل الحرة في دمشق، أنه مع تولي الحكومة الجديد مقاليد الأمور، ونظرا لأن جميع الوزراء بها عملوا في إدلب حيث أقروا استخدام العملة التركية، تواترت أنباء عن تطبيق القرار في جميع الأراضي السورية.
لكن المصرف المركزي السوري أكد أن العملة المعتمدة في البلاد هي الليرة السورية، ولم يتم سحب أي فئة نقدية من التداول.
إعادة الإعمار
أعلنت المفوضية الأوروبية، الجمعة، إقامة جسر جوي إنساني إلى سوريا عبر تركيا، في أول مساعدة أوروبية مماثلة منذ سقوط الأسد.
ومن المرتقب أيضا أن تفرج المفوضية الأوروبية عن 4 ملايين يورو لرفع إجمالي مساعدتها الإنسانية في سوريا إلى 163 مليون يورو هذه السنة.
ومن شأن هذا المبلغ الجديد، أن يغطي تكاليف حصص الرعاية الطارئة والإمدادات الطبية الأساسية ومستلزمات الملاجئ الطارئة واللوازم الطبية، فضلا عن تيسير توزيع الحصص الغذائية في شمال سوريا.
وفي هذا الصدد، قال شعبو للحرة، إنه يجب أن تعمل الحكومة على "تفعيل مؤتمرات إعادة الإعمار لضخ الاستثمارات"، مستطردا: "نحن أمام تحديات كثيرة.. أمنية واقتصادية واجتماعية".
كما شدد على ضرورة "تقديم ضمانات للمستثمرين، والعمل على رفع العقوبات" التي تشكل عائقا أمام إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، مؤكدا على أهمية "الاستقرار السياسي" في البلاد.
وتابع: "يجب أن يكون السوق حرا، وأن يتم توفير تسهيلات ضريبية وائتمانية وامتيازات جمركية للقطاع الخاص من أجل دعمه، مما سينعكس على المواطن". (الحرة)