حماسة اللبنانيين الزائدة التي قد تضرّهم في السياسة والخيارات الحياتية، تنفعهم أحياناً في
عالم الأعمال الذي يتطوّر برغم الظروف الصعبة والحرب
العاصفة من حولنا. من هنا استطاع مفهوم المسؤولية الاجتماعية أن يتوغّل أكثر فأكثر في حياة الشركات اللبنانية لا سيما المصارف التي نفّذت نشاطات متنوّعة طاولت فئات اجتماعية متنوّعة.
أمس، افتتح
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "المنتدى السنوي السادس للمسؤولية الاجتماعية للشركات: التأثير الاجتماعي ودوره في إنجاح الشركات"، في
فندق فينيسيا.
ورافق المنتدى معرض للشركات والمصارف المشاركة. وكانت لافتةً للانتباه أيضاً مشاركة جمعيات مستفيدة من المسؤولية الاجتماعية للشركات، من مناطق لبنانية متنوّعة، لا سيما الريفية منها، التي تحتاج أكثر من غيرها إلى الدعم والمساعدة.
وشاركت بالتعاون مع مؤسسة رينيه معوض 20 جمعية من الشمال وعكار في إطار اتفاق تعاون بين المؤسسة و"سي أس آر ليبانون" وذلك تنفيذاً لمشروع "تعزيز منظمات المجتمع المدني في الشمال وعكار من أجل التنمية المستدامة" والمموّل من الاتحاد الأوروبي. تقول مندوبة مؤسسة "رينيه معوض" جانو بركات لـ "السفير" "اختارت مؤسستنا هذه الجمعيات الـ20 لتشارك في المؤتمر وعبر دورات ونشاطات حول المسؤولية الاجتماعية، لبناء علاقة جيدة مع القطاع الخاص وتحفيز التعاون بين هذه الجمعيات والشركات الخاصة، ما يمكّن القطاع الخاص من التعرّف إلى حاجات هذه الجمعيات ومن خلالها إلى حاجات المجتمع".
وعن أهمية المسؤولية الاجتماعية بالنسبة إلى الشركات وإلى المجتمع الذي تخدمه، يقول رئيس مجلس إدارة "فرست ناشونال بنك" في
لبنان، ورئيس لجنة الإعلام بمجلس أمناء "مؤسسة التعاون" رامي النمر لـ"السفير": "هذه المسؤولية هي مسؤولية كبرى بالنسبة لكل شركة تريد أن تتطوّر، فمساعدة الشركات للمجتمع من المردود الذي تحصل عليه عبر هذا المجتمع، مهم جداً. وهذا جزء من كل المجتمعات الراقية، والشركات تعمل في كل دول العالم لتطوير أدائها الاجتماعي. وفي
لبنان الشركات والمصارف تعمل في هذا السياق، ما يخفف وطأة المشكلات والأحداث المؤلمة والتهميش لبعض الفئات. هذا واجب كل شركة، لإعادة توزيع ما تحصل عليه من مدخول".
بين 2008 و2016
وفق تقرير لـ"سي اس آر"، لم تكن الشركات اللبنانية حتى العام 2008 تلحظ مفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكلٍ جديّ، بل كان الأمر مقتصراً على بعض فروع
شركات عالمية كانت تعير بعض الاهتمام للقضايا الاجتماعية وذلك بضغطٍ من الشركات الأم. وما كان
لبنان يشهد جوائز للمسؤولية الاجتماعية ولم تكن المطبوعات تلحظ هذا الجانب المهم من عمل مطلق أي شركة، ولم تكن هناك تقارير أو سبل تقييم لهذا النوع من النشاطات.
سنةً بعد سنة، أيقنت الشركات أهمية تحمّل مسؤوليتها الاجتماعية ومشاركتها في التنمية المستدامة، وصار من الممكن القول إنه في العام 2016 معظم الشركات اللبنانية الكبيرة باتت معنيّةً بالمسؤولية الاجتماعية عبر خدمات ومنتجات مرتبطة بذلك، مثل الاهتمام بالبيئة مثلاً، وباتت الشركة تدرك قيمة النشاطات الاجتماعية وأهميتها في تحسين موقع الشركة والنظرة إليها.
افتتاح المنتدى
وفي افتتاح المنتدى أمس، أعلن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "سي أس آر ليبانون" خالد القصار عن إصدار التقرير الوطني الاول للمسؤولية الاجتماعية للشركات في
لبنان الذي يُعرَض لتاريخ "سي أس آر" في
لبنان. وأكد أن المسؤولية الاجتماعية للشركات أمر أكاديمي بحت. وهو منظومة متكاملة استراتيجية بحاجة الى متابعات سنوية لتحقيق تغيير اجتماعي".
ولفت رئيس مجلس ادارة "بنك
لبنان والمهجر" سعد أزهري، النظر الى أن المصرف أنشأ على مستوى الإدارة لجنة متخصّصة "تُعنى بتقويم نشاطات البنك وتطويرها في مجالات المسؤولية الاجتماعية".
أما رئيس الجامعة الاميركية في بيروت فضلو خوري فاعتبر أن "مهمة الجامعة الأميركية في بيروت لا تُعاش فقط من خلال المبادئ التربوية، ولكن أيضاً من خلال التوعية المجتمعية والأبحاث. إن أعضاء هيئة التدريس الموهوبون لدينا يكرّسون حياتهم لإيجاد الحلول للتحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه المجتمع البشري، عن طريق التضحية بوقتهم ومصالحهم لإحداث فرق في خدمة الآخرين الأقل منهم حظاً وحظوةً".
وأوضح
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن "النشاط في مجال المسؤولية الاجتماعية لا يفيد المجتمع فحسب، بل له تأثيراته الإيجابية أيضاً التي تساعد في تغيير مسار اقتصادات العالم نحو الأفضل". لذا كان التوجّه الكبير وفق ما قال "لدى مؤسسات مالية ومصرفية، خصوصاً بعد أزمة عام 2008 وما تبعها من تحديات، لإعادة الثقة في قطاع الأعمال من خلال التركيز على الأداء الاجتماعي والأخلاقي، وتعزيز حس المسؤولية الاجتماعية لديها".
وإذ ذكّر بأن المصرف المركزي "التزم منذ سنوات العمل في هذا الاتجاه، وأطلق مبادرات تفيد المجتمع وتحرّك العجلة الاقتصادية"، أشار إلى أن "ما حفلت به السنوات العشر الماضية من تحدّيات على مستوى الاقتصاد، فرضت على
مصرف لبنان الاضطلاع بأدوار تخطّت القطاع المصرفي البحت، لتشمل جوانب أخرى من الاقتصاد والمجتمع".
وحضّ سلامة المصارف على "توفير القروض الميسّرة للقطاعات الإنمائية والسكنية والتعليمية والبيئية والطاقة البديلة"، كما شجّع منح القروض الصغيرة للأفراد أو للمؤسسات الصغيرة لتطوير مشاريع خاصة بهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.
(باسكال صوما - السفير)