أقرّ مجلس النواب في جلسة الموازنة قانونًا لرفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين ليرة الى 75 مليون ليرة. هل يحمي هذا القانون صغار المودعين في حالات تعثر المصارف، كيف يُطبّق ووفق أي آلية؟ من يموّله؟ والأهم هل سيطمئن القانون المودعين حيال مصير جنى أعمارهم وهل سيشكل بداية استعادة ثقة المودع بالمصارف؟
نصّ القانون رقم 110 /1991 على أنّ المؤسسة الوطنية لضمان الودائع تضمن ودائع المصارف المتوقّفة عن الدفع أو التي ستوضع اليد عليها، بمبلغ وقدره 5 ملايين ليرة لبنانية فقط أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية. هذه القيمة تعتبر متدنّية جدًا ولا تشكّل أي ضمانة تذكر للمودع، لذلك عمدت السلطة التشريعية إلى رفع القيمة إلى 75 مليون ليرة، خصوصًا وأنّ الأزمة النقدية دفعت بالمودعين إلى التهافت لسحب ودائعهم خوفًا من خسارتها، في حين عمدت المصارف إلى تقييد السحوبات.
عضو لجنة المال والموازنة النائب ياسين جابر لفت في حديث لـ"لبنان 24" إلى أنّ حوالي 86 % من المودعين ودائعهم دون ال 75 أو 100 مليون ليرة، وضمان الودائع يعني أنّه في حال تعثّر مصرف ما تضمن المؤسسة لصغار المودعين استرجاع ودائعهم بمبلغ 75 مليون ليرة، ولكن بطبيعة الحال لا يعني ذلك أنّ المؤسسة قادرة على تسديد الودائع نيابة عن كلّ المصارف في حال واجهت جميعها حالات تعثّر، بحيث أنّ الأمر شبيه بضمانات شركة التأمين التي تغطّي عن زبائنها حالات معينة.
عن آلية تمويل المؤسسة أوضح جابر أنّ الآلية هي نفسها التي كان معمول بها لم تتغير، مشيرًا إلى أنّ المؤسسة لديها احتياطات وموجودات منذ إنشائها إلى اليوم تقدّر بحوالي 4 آلاف مليار، راكمتها بفعل عدم تعرّض المصارف لأيّ تعثّر، بحيث لم تضطر للإنفاق من المبلغ، وبالتالي أصبحت إمكانياتها أقوى وقادرة من خلالها أن تقوم بالعبء.
ينصّ القانون على أنّ المؤسسة الوطنية لضمان الودائع هي "مؤسسة مختلطة تُسهم فيها الدولة وجميع المصارف العاملة في لبنان، من خلال رسم تدفعه المصارف قيمته 0,5 الى 1,5 في الألف عن كل وديعة بالليرة اللبنانية، على أن تساهم الدولة بمبلغ يعادل مجموع مساهمات المصارف". ولكنّ الدولة تخلّفت عن دفع مستحقاتها للمؤسسة منذ العام 2010، لذلك ،أوضح جابر، "هناك فكرة مفادها أن تشتري المصارف حصّة الدولة وتصبح هي الجهة التي تتولّى عملية التمويل". وردًا على سؤال عن إمكان اقتطاع جزء من أموال المودعين كمساهمات لتمويل رفع قيمة الودائع أكّد جابر أنّ الأمر غير مطروح إطلاقًا.
إذن المصارف هي فعليًا الجهة الوحيدة الممولة لضمان الودائع، كون الدولة تتقاعس عن دفع ما يتوجب عليها للمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، من هنا وجّهنا سؤالنا إلى كبير الإقتصاديين في بنك "بيبلوس" نسيب غبريل عن كيفية تطبيق القانون بالنسبة لهم، فأكّد أنّهم ليسوا على علم بتفاصيل القانون، قائلًا في اتصال هاتفي "ليس لدينا أيّ معلومات تقنية مفصّلة حول هذا الموضوع بعد، أوعن آلية تمويل رفع قيمة ضمان الودائع. فمشروع الموازنة لم ينشر بعد، وما علمناه هو فقط ما أُعلن من خلال وسائل اعلام بأنّ الموازنة تضمّنت رفع قيمة الودائع إلى 75 مليون، وبالتالي لم نطلع على تفاصيل قانون الموازنة وعلى التعديلات التي طرأت على المشروع في لجنة المال، وليس هناك من شفافية في هذا الإطار، بحيث لم تنشر الموازنة أو التعديلات على الموقع الإلكتروني لوزارة المال أو على الموقع الإلكتروني لمجلس النواب".
من ناحية ثانية، رأى غبريل أنّ قانون رفع سقف ضمان الودائع هو خطوة جيّدة وتمنّى لو تمّ رفع سقف الضمان إلى 150 مليون ليرة بدل 75، معتبرًا أنّ القانون يطمئن المودعين ويقلّص نسبة الهلع التي سادت بدءًا من تشرين الأول بعد الحملة الممنهجة والتحريضية ضد المصارف والتي أدت إلى تهافت المودعين. مضيفًا "القانون خطوة في محلها ولكن تبقى آلية التطبيق، وكان يجب أنّ تُسأل الدولة عن إمكانياتها في المساهمة في التمويل".
في المحصلة شكّل رفع سقف ضمان الودائع وسائل إنقاذ فعّالة، استخدمتها حكومات دول أخرى لمواجهة أزمات مالية حادّة ولطمأنة المودع، ولكن في لبنان أثبتت التجارب أنّ إقرار القوانين لا يكفي وحده، فهناك عشرات القوانين أُقرّت منذ سنوات ولم تطبّق، وعلى الحكومة متابعة تطبيق قانون رفع سقف ضمان الودائع كي يحقق الغاية من وضعه.