صدر أول من أمس تعميمان لمصرف لبنان، الأول حمل الرقم 148 ويطال الودائع التي لا تتعدّى الـ 5 ملايين ليرة لبنانية أو 3000 دولار أميركي، والثاني يحمل الرقم 149 ويخلق بموجبه سوق قطع جديدا موازيا لسوق القطع الرسمي بهدف تأمين حاجات الإقتصاد الوطني بالدولار الأميركي.
أتت التعليقات على هذين التعميمين لتُجسّد الإنقسام الموجود على كل الملفات في لبنان. ففي الوقت الذي رأى البعض في التعميم الأول (عن الودائع) خطوة إيجابية نحو الطبقة الفقيرة من ناحية تحرير أموالها وفي الوقت نفسه إعطائها دفعا ماليا إضافيا من ناحية أن الإيداعات يتمّ سحبها على دولار السوق (سواء كانت بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي)، رأى البعض الاخر أن هذا التعميم يحمل في طياته خطة جديدة تستهدف المودعين.
فهل هذا التعميم هو بمثابة خدمة للمصارف؟ يقول الباحث الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة ان "هذا التعميم له بعد إجتماعي إيجابي لشريحة كبيرة من المواطنين الذين سيتسفيدون من bonus وسيكون مرحبًا به في ظل ارتفاع الأسعار بغض النظر عن التفسيرات التي يعطيها البعض من هنا أو هناك لهذه التعاميم. فهذا التعميم سيُخفّض حجم القطاع المصرفي وقد يكون له تداعيات إيجابية (ولو ضئيلة) على مُتطلبات رأس المال المنصوص عليها في معايير بازل 3، ولكن محدودية الأرقام (مليار على 147 مليار) تحد من الاستفادة الفعلية للمصارف. لكن في كل الأحوال هذا التعميم ملزم للمصارف لأن التعاميم إلزامية وعقوبة عدم تطبيقها هو سحب الرخصة.
لكن هل سيؤدي ذلك الى تخلص المصارف من ضغط المودعين الصغار؟ يقول عجاقة "يُمكن القول إن المصارف قد ترتاح من صفوف طويلة أمام الفروع لسحب الأموال، لكن هؤلاء سيأخذون حقوقهم بالكامل وبالتالي لا خوف على أموالهم ولا أحد يُمكنه المسّ بهذه الحقوق. أبعد من ذلك لا يُمكن المسّ بأي من الودائع سواء أكانت صغيرة أو كبيرة وذلك بحكم قدسية الملكية المنصوص عليها في الدستور".
الجدير ذكره أنه في حال كانت هناك ديون متوجبة على المودع، ينص التعميم على حسم الديون من الودائع قبل إعطاء المودع أمواله.
لكن ماذا عن حرمان هؤلاء من دولاراتهم؟
يقول عجاقة "هناك أزمة دولار وهذا ليس بخفي على أحد، أضف إلى ذلك أن لبنان دولة أعلنت إفلاسها وبالتالي لن يكون هناك من تدفقات بالدولار إلى لبنان! لذا من الطبيعي أن يكون هناك قيود على سحب الدولارات وهو نوع من أنواع الكابيتال كونترول، وهذا الأمر قامت به المصارف الأميركية حديثًا عبر وضع سقوف للسحوبات النقدية من المصارف الأميركية. إلا أن الأمر يُصبح أكثر ضررًا في حال قوننته لأن في ذلك نوع من أنواع التخلّي الرسمي عن حرية تنقل رؤوس الأموال".
اما التعميم الثاني فنصّ على إنشاء وحدة خاصة في مديرية العمليات النقدية في مصرف لبنان، تتولى التداول بالعملات الأجنبية النقدية وخصوصاً بالدولار الأميركي وفقاً لسعر السوق، وإنشاء منصة إلكترونية، وذلك بهدف تأمين العملات النقدية الأجنبية لحاجات الاقتصاد الوطني وخصوصاً الدولار الأميركي. وهذا الأمر يطرح السؤال عن سعر الصرف واحتمال وجود ثلاثة أسعار للصرف؟ وهنا يقول يرى عجاقة ان الهدف الأكثر إحتمالًا هو لجم سعر صرف الدولار لدى الصرافين خصوصًا أنه وبعد إعلان الحكومة وقف دفع اليوروبوندز من دون أن يكون هناك خطة إنقاذية واضحة. وهذا الأمر يجعل الدولار لدى الصيارفة من دون سقف، لذا وجب على مصرف لبنان التدخل للجم إرتفاع الدولار وسينجح في ذلك خصوصًا إذا ما واكبت الأجهزة الأمنية من جهتها ملاحقة الصرافين غير الشرعيين.
وعن وجود سوقي قطع، أي سعري صرف، يشير عجاقة إلى أن لا شيء سيتغيّر في الواقع، التعميم واضح وسيكون هذا السوق لسدّ حاجات الإقتصاد الوطني مع المحافظة على استيراد السلع الأساسية كالطحين والأدوية على السعر الرسمي كما في السابق. وبالتالي يتوجب اعتبار هذا السوق الجديد كهامش لامتصاص الصدمة الناتجة عن الأزمة الإقتصادية وتخلّف الدولة عن دفع اليوروبوندز وأزمة فيروس كورونا.
بحسب المعلومات من المتوقع أن يكون هناك تعاميم إضافية مُشابهة للتعميم 148 ستصدر في الأسابيع المقبلة وستطال أصحاب الودائع ما دون العشرة ملايين ليرة لبنانية.