ما يهم المودع من قانون "الكابيتال كونترول" المُنتظر والمتأخر، هو تحقيق أمرين، الأول إمكانية استرداد وديعته بعملة الوديعة ولو بسقوف محدّدة على فترات زمنية متباعدة، والأمر الثاني منع المصارف من التعامل باستنسابية مع المودعين، وإلزامها بالمشاركة في الخسائر بدل تحميلها للمودع وحده. فهل تحقّق المسوّدة المسرّبة لإقتراح قانون "الكابيتال كونترول" ما ينتظره المودع من جهة، ويحقق من جهة ثانية الغاية من القانون في منع تسريب الدولار إلى الخارج؟
علامات استفهام تطرح حول الغاية من تسريب المسودة التي توصّلت إليها لجنة نيابية فرعية منبثقة عن لجنة المال،علمًا أنّها مجرد مسودة قابلة للتعديل في لجنة المال، ثمّ في اللجان النيابية المشتركة وفي الهيئة العامة، قبل أن يقرّ القانون بصيغته النهائية.
في الإطار يسأل الخبير الإقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث لـ "لبنان 24" هل التسريب بهدف إسقاط المشروع وعرقلة إقراره؟ "خصوصًا أنّ طبيعة القانون تفترض إقراره بطريقة فجائية، كي لا يُتاح المجال لتهريب الأموال، بحيث يصدر قرارٌ بمنع تحويل الأموال ويُطبّق فورًا. لكن ما حصل مغاير تمامًا منذ طرح المسودة في مجلس الوزراء من قبل وزير المال غازي وزني ثم سحبها، والإيحاء بحاجة المشروع إلى الدرس، وصولًا إلى تسريب مسوّدة اللجنة الفرعية، التي تظهر بما تضمنته من بنود أنّ عنوان المشروع كابيتال كونترول بينما مضمونه بمثابة فضيحة سنوضح مغالطاتها".
تمييز بين مودعي الداخل والخارج
لقياس جدوى المشروع بصيغته المسرّبة، لا بدّ من تعريف "الكابيتال كونترول" والغاية منه في منع إخراج الأموال من البلد، إلّا بمبالغ معينة تستعمل لغايات استيراد السلع الإستراتيجية وكل ما يخص مصلحة البلد الكبرى وليس المصالح الفردية. في حين أنّ المسودة المسرّبة وفق علامة "تضمنت استثناءات، منحت بموجبها لأصحاب الودائع الكبيرة امكانية تحويل دولار إلى الخارج بسقف يصل إلى 50 ألف دولار سنويًا، لتسديد نفقات التعليم، وإيفاء أقساط القروض الشخصية السكنية الناشئة في الخارج، وتسديد ضرائب أو رسوم أو التزامات مالية متوجبة لسلطات رسمية أجنبية، وتسديد نفقات في الخارج عائدة لاشتراكات وتطبيقات على الانترنت. بالمقابل مودع الداخل يمكن له أن يسحب بالعملة الوطنية وليس بالدولار، بمبلغ يصل حّده الإقصى إلى 20 مليون ليرة شهريًا، وهو مبلغ يتآكل مع انهيار العملة. وبالتالي أموال مودعي الخارج تُحول إليهم، بينما أموال مودعي الداخل تُحتجز، ويلزم أصحابها بتقاضيها وفق سعر المنصة وليس بالدولار".
من يمول دولارات مودعي الخارج؟
المعضلة الكبرى هي بكيفية تأمين الدولارات لمودعي الخارج يجيب علامة "بحسب ما تبيّن في المشروع، أنّ المصارف تشترط أن يزوّدها مصرف لبنان بالدولارات، كي تحوّل إلى الخارج لأصحاب الإستثناءات، بما يعني أنّ التحويل إلى الخارج وفق القانون سيكون من الاحتياط الإلزامي، وهو ما رفضه حاكم مصرف لبنان، كما أنّ ما تبقّى من مصارف مراسلة تتعامل مع مصرف لبنان، ومنها JPMorgan أبلغته بوقف التعامل معه بحال انخفضت احتياطاته إلى ما دون الـ 15 مليار دولار، وبالتالي يصبح مصرف لبنان خارج النظام المصرفي العالمي وهذا ما لن يسمح به بأي شكل. وهنا أشير إلى سعي لتخفيض قيمة الإحتياطي الإلزامي إلى 10 مليار دولار، والضغط على المركزي لاستخدام 5 مليار لهذه التحويلات وغيرها".
يضيف علامة "الخيار الآخر أن تحوّل المصارف من أموالها لدى المصارف المراسلة وفي هذه الحال ستتراجع أرصدتها، خصوصًا أنّ أصحابها والمساهمين حوّلوا اموالهم إلى الخارج ولم يعد لديها في الداخل ما يغطي مقابل التحويلات. انطلاقًا من هنا يشهد القانون صراعًا ما بين المصارف وأصحابها وجمعية المصارف ومصرف لبنان، أمّا السلطة السياسية فينحصر همّها من إقرار "الكابيتال كونترول" بالإطباق على ما تبقى من أموال المودعين، وإتاحة التحويل إلى الخارج لأفراد، وإعفاء المصارف من مسؤولياتها، وإنقاذها من الملاحقات القانونية والدعاوى التي ترفع ضدّها في الخارج تجاه التحويلات غير الأخلاقية التي مارستها بحق المودعين على مدار سنة ونصف السنة ، بحيث يحكى عن 35 مليار حولتها إلى الخارج، وأدت إلى تخفيض قيمة الودائع".
مغالطة أخرى تضمّنتها المسودة المسربة في تحديد سقف السحوبات داخلياً بعشرين مليون، بنظر علامة، يجب على المشترع من خلال "الكابيتال كونترول" أن ينظّم علاقة لبنان مع الخارج. "على سبيل المثال عندما أقر" الكابيتال كونترول" في اليونان أو قبرص حدد سقفًا يوميًا للتحويلات الخارجية كلها. وفي مصر منع إخراج الأموال إلا بقيمة معينة يومية، ولتمويل السلع الإستراتيجية والحيوية والأولويات، وليس للكماليات من السلع أو لمودعين".
خلاصة الموضوع "أنّ الاستثناءات الواردة فيه بالتحويلات إلى الخارج تلغي أهدافه، خصوصًا أنّه يُقرّ متأخرًا، ولكي يحقق الفائدة المرجوة، يجب إعادة روحيته ليتناغم والغاية منه بمنع إخراج الأموال بالمطلق، وإلزام من حولوا الأموال على إعادتها".
التصويب لا زال متاحًا في المجلس النيابي، فهل سيغطّي المصارف لتنجو بفعلتها، ام سيضع المدماك الأول في مسيرة استعادة الثقة المفقودة بالنظام المصرفي؟