يواجه الاقتصاد الصيني، تباطؤا لم يشهده منذ عقود، بسبب نهج بكين غير المتسامح مع وباء كورونا، وهو ما يهدد بخفض النمو العالمي، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
وفي حين يخشى بعض الخبراء من "ركود" اقتصادي، يرى آخرون أن لدى البلد الضخم العديد من الطرق لضمان تحقيق نمو أقوى من الولايات المتحدة وأوروبا هذا العام، بما في ذلك القدرة على إطلاق العنان للإنفاق الحكومي الضخم.
لكن الجميع يحذر من استمرار الوتيرة الحالية، والظروف التي ساءت بسبب عمليات الإغلاق في شنغهاي وأماكن أخرى عديدة، بسبب انتشار فيروس كورونا، وهو شيء لم تشهده الصين منذ عقود.
ويكافح الملايين من الخريجين الجدد في العثور على وظيفة، كما تراجعت الواردات، وبدأ الصينيون القلقون من المستقبل يستنزفون المزيد من المدخرات، كما تراجعت الثقة في الأعمال التجارية.
وأظهرت مؤشرات مديري المشتريات الصادرة عن الحكومة الصينية، السبت، انكماشا في نشاط قطاع المصانع والخدمات للشهر الثاني على التوالي في أبريل، حيث هبطت إلى أدنى مستوياتها منذ بدء الوباء في عام 2020.
وفي حين أنه من المقرر أن يتخرج أكثر من 10 ملايين طالب جامعي هذا العام، وهو رقم قياسي للصين، فإن مقياس الوظائف الشاغرة الذي أعده معهد الصين لأبحاث التوظيف في جامعة رينمين الصينية وموقع البحث عن الوظائف "شوبين"، يشير إلى أنه لا توجد وظائف كافية تقريبا لهم.
وتقلص عدد الأشخاص العاملين في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بنحو 30 في المئة، وفقًا لشركة "كابيتال" للأبحاث.
وعانت الأسهم الصينية من أسوأ عمليات بيع لها منذ أكثر من عامين يوم الاثنين الماضي، على الرغم من تعافيها إلى حد ما في وقت لاحق من الأسبوع. وأعاد التراجع في عملة اليوان الصيني إحياء ذكريات الانخفاض الحاد في عام 2015 الذي أثار أعصاب الأسواق العالمية.
وكان إنتاج الأسمنت في منتصف أبريل أقل من 40 في المئة من طاقته الكاملة، كما انخفضت شحنات الهواتف الذكية بنسبة 18 في المئة عن العام السابق في الربع الأول. تراجعت مبيعات الحفارات داخل الصين بنسبة 61 في المئة في أبريل مقارنة بالعام السابق.
وتتجاوز تحديات الصين عمليات الإغلاق الأخيرة، حيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع التكاليف على الشركات الصينية وساهمت في تلاشي الطلب الخارجي على صادراتها، كما أثرت الإجراءات الصارمة التنظيمية على القطاعات ذات النمو المرتفع مثل التكنولوجيا والتعليم.
ويأتي هذا بعد أن كانت العقارات، المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد، قد بدأت في السقوط الحر العام الماضي، حيث انهار المطورون تحت الديون الثقيلة وتراجعت مبيعات المنازل.
وتحذر الصحيفة من أن أي تباطؤ مستمر في الصين سيكون محسوسا على مستوى العالم، مما يحرم الاقتصاد العالمي من أحد محركاته، بجانب التأثيرات على الاقتصاد في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأظهرت بيانات صدرت الأسبوع الماضي أن الاقتصاد الأميركي انكمش بمعدل سنوي 1.4 في المئة في الربع الأول من العام الجاري.
كان من المتوقع أن تمثل الصين ربع النمو الاقتصادي العالمي في السنوات الخمس حتى عام 2026، وفقًا للبيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي العام الماضي.
لكن البرازيل التي تعتمد على الطلب الصيني على منتجات مثل خام الحديد والمعادن الأخرى قد تشهد تراجعا في الطلب، بعد إغلاق المصانع الصينية نتيجة انتشار كورونا.
وقالت شركة فورد، إن مبيعات السيارات في الصين تراجعت بنسبة 19 في المئة في الربع الأول من العام الماضي.
وعلى عكس عام 2020، عندما انتعش الاقتصاد الصيني سريعا من الموجة الأولى مع الوباء، فإن المشاكل الإضافية التي تعاني منها البلاد، مثل تباطؤ الطلب على المنتجات في الغرب، وارتفاع أسعار المواد الخام، تعني أن هناك أملا أقل في حدوث انتعاش كبير في وقت لاحق من هذا العام.
وبسبب هذه التأثيرات، فإن المدير في شركة "شيجيانغ" للسيارات في الصين، لي هايتاو، قال الشركة خصصت يوم عمل واحد في الأسبوع لكل موظف ، مما أدى إلى خفض الراتب بنحو الخمس لكل موظف، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار المواد الخام مثل النحاس والصلب والألمنيوم يؤدي إلى تآكل هوامش الربح.
ووفقا للبيانات الرسمية، بعد استطلاع أجري في أكبر 31 مدينة في الصين، فقد بلغت نسبة البطالة بين الشباب الآن 16 في المئة، مما يعني أنها تجاوزت المستوى الذي بلغته عندما تم إغلاق مدينة ووهان، في عام 2020، والتي يعتقد أنها منشا فيروس كورونا.
في أبريل، خفض صندوق النقد الدولي توقعات نمو الصين للعام بأكمله إلى 4.4 في المئة من 4.8 في المئة في وقت سابق من هذا العام، وهو رقم أقل بكثير من هدف الحكومة التي حددت 5.5 في المئة لعام 2022، في حين قال بنك باركليز في 29 نيسان إنه يعتقد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني للعام بأكمله يمكن أن يتراجع إلى أقل من أربعة في المئة إذا امتدت عمليات الإغلاق إلى النصف الثاني من هذا العام.
وإذا صدقت توقعات صندوق النقد الدولي، فستشهد الصين أسوأ عام بالنسبة للنمو، منذ عام 1990 باستثناء عام 2020، عندما بلغ 2.2 في المئة فقط.
ويتوقع كبير الاقتصاديين الصينيين في هونغ كونغ، تينغ لو، انكماشا ضئيلا في الصين في الربع الثاني، لكنه يؤكد أن هناك فرصة لانخفاض أكبر في الربع الثالث، إذا لم تعدل الحكومة استراتيجيتها الخاصة بالوباء، حيث يرجح أن تتدخل الحكومة بإجراءات صارمة للتخفيف من هذا الخطر.
ويتعهد المسؤولون الصينيون بإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح دون التخلي عن سياساتهم الصارمة للسيطرة على فيروس كورونا.
ودعا الرئيس تشي جينبينغ، إلى حملة شاملة لزيادة النمو، من خلال المزيد من الإنفاق على البنية التحتية، رغم مخاوف من أنها قد تؤدي إلى تفاقم مشكلات الديون.
تشمل الخطط الأخرى، قيد الدراسة، توزيع قسائم على المتسوقين لرفع الاستهلاك، وخطوات لتقليل القيود التنظيمية ضد التكنولوجيا والصناعات العقارية التي أبطأت نموها.
لكن العديد من الاقتصاديين يشككون في أن سياسات التحفيز التقليدية ستنجح في أي حال بسبب عمليات الإغلاق الخاصة بكورونا.