هل سبق أن كان طفلك يعلم إجابة سؤال يطرحه المعلم، لكنه أعرض عن رفع يده للإجابة فقط لأن أحداً من زملائه لم يرفع يده؟
ربما يكون صغيرك في هذه الحالة مصاباً بما يطلق عليه "الجهل التعددي"، أو ما يسمى بـ"تأثير المتفرج"، وهو عبارة عن حالة من التثبيط والتراجع عن اتخاذ القرارات والأفعال فقط لأن الآخرين لم يفعلوها.
وعادة ما يتخذ المصابون بهذه الحالة قراراً باتباع "القطيع"، فإن لم يفعل الجميع نفس الأمر، لن يقوموا هم بأي فعل وإن كان ضرورياً، هكذا يلتزم المرء سلوك المجموعة، ولو كان غير صحيح، ولهذا السبب أيضاً لن يقدم طفلك على صداقة طفل معين في الفصل لأن بقية زملائه لم يفعلوا، ويتدرج تأثير المتفرج ليتضمن تطورات لاحقة أكثر خطورة.
ما الجهل التعددي؟
في عام 1931 أخضع عالما النفس الاجتماعي الأميركيان فلويد ألبورت ودانييل كاتز مجموعة من الطلبة لتجربة من أجل تقييم ردود أفعالهم تجاه مطالبتهم بتسكين زملائهم من طلاب الأقليات معهم، ورغم أن الطلاب محل البحث لم يعترضوا تقريباً، فقد شاركوا مخاوفهم في دوائر ضيقة، صحيح أن الرأي العام الغالب كان الموافقة، إلا أن الطلاب في الواقع لم يكونوا راضين كلياً عن الفكرة.
هكذا صاغ العالمان مصطلح "الجهل التعددي" لوصف الموقف الذي يرفض فيه أعضاء المجموعة معايير معينة على المستوى الشخصي، لكنهم يعلنون دعمها علناً على افتراض خاطئ أن بقية أعضاء المجموعة يقبلون هذه المعايير.
المصطلح الذي يشير إلى تشوه معرفي عام، ليس مقصوراً على عالم الدراسة، ولكنه يؤثر على أداء الفرد وقناعاته، وقدرته على التعبير، بداية من علاقاته الشخصية وانتهاء بأدائه كفرد في المجتمع بشكل عام، الأمر الذي يتسبب في عدة أزمات على المستوى الفردي أبرزها:
* الشعور بالقلق.
* الشعور بالتوتر.
* الشعور بالعزلة.
* الخوف من رفض الآخرين.
تنمر أكثر.. معرفة أقل
يسهم الجهل التعددي في انتشار التنمر داخل المدارس، ذلك ما توصلت إليه دراسة أشارت إلى أن المتنمر يواصل اصطياد الضحايا وسط صمت زملائهم، حيث حالة من الجهل التعددي التي تمنع الأطفال من الموازنة بين مواقفهم الخاصة الرافضة للتنمر والمتعاطفة مع الضحية، وتصوراتهم لمواقف أقرانهم الذين لم يهبوا للدفاع عن الضحية، ومن ثم يصمت الجميع.
ثلاثون عاماً قضتها معلمة العلوم المصرية هدى علاء في سلك التدريس، رأت خلالها صنوفاً عديدة من الطلبة، وتابعت كيف تطور أمر "الجهل التعددي" على مدار الأعوام، لدى الطلبة، حتى إنه أعاد تشكيل العملية التعليمية بالكامل.
وتقول علاء: "صار الطلبة يتعاملون مع العملية التعليمية في مجموعات، نادراً ما أجد طالباً يملك تصوراً واضحاً حول ما يريد ومن ثم يتخذ قراراً واضحاً، حتى إن قراراً مهماً مثل التخصص في المرحلة الثانوية يتم اتخاذه بناء على رأي المجموعة، وهو ما تكرر كثيراً، حيث صرت أفاجأ بطلاب كانوا يرغبون في التخصص بالقسم العلمي، يدخلون إلى القسم الأدبي، فقط لأن الأغلبية من حولهم اتخذت نفس القرار".
مستقبل أسوأ للمتفرجين
يلعب الجهل التعددي دوراً محورياً في الأحداث الفاصلة، حين يفهم أفراد المجموعة أن عدم تحركهم يضر بالموقف، لكن لأن أحدا ممن حولهم لم يتدخل، فيتم التعامل مع الوضع على أنه ليس طارئاً ولا يتطلب تدخلهم وإن كان ضرورياً.
ورغم أنها ظاهرة غير صحية، فإنه لحسن الحظ يمكن تجنبها بسهولة، إذ إن كل ما يتطلبه الأمر لتنشئة طفل غير مصاب بالجهل التعددي، هو أن تتبع معه مجموعة من الأمور الأساسية في رحلة التربية على رأسها:
* ضرورة مشاركة معتقداته وآرائه الشخصية بشكل علني.
* عدم الخجل من إثارة انتباه المجموعة.
* عدم الانصياع للرأي العام أو الخوف من مخالفته.
* التأكيد على ضرورة التصرف وفق ما يشعر به طفلك لا الآخرون.
أشار الدكتور شريف عرفة، المحاضر في مجال التنمية الذاتية وعلم النفس الإيجابي، إلى ضرورة التعامل مع الأمر باعتباره مرحلة من مراحل التطور النفسي للطفل، مع توجيهه حتى يصل إلى مرحلة نضج يصبح فيها مستقلاً فكرياً ونفسياً، ومسؤولاً عن أفكاره، ليس عن جهل ولكن عن ضمير ذاتي وأساس معرفي وفكري وثقافي.