قد يبدو غريباً للوهلة الأولى إذا ما تحدثنا عن "علاج النفس بالخيل"، لكن لو فكرت فيها قليلاً ستجد أن هناك رابطاً منطقياً بين الخيول ورعايتها وبين الراحة النفسية. فلا بد أنك قد شاهدت مرة واحدة على الأقل خلال حياتك
علاقة خاصة نشأت بين
إنسان وفرسه، وربما كان لها أثر على شخصيته وطبعه.
هذه العلاقة هي ما سعى المتخصصون النفسيون لتوظيفه بعلاج الصدمات النفسية.
فبحسب مقال نشره الطبيب النفسي الأميركي "بريت مور" في صحيفة (Military Times) الإلكترونية، فإن استخدام الأحصنة يثري العلاج النفسي لصدمات الحرب، خاصة بين الجنود والمحاربين القدامى. فعند قسم من المصابين لا ينجح العلاج النفسي التقليدي، المعتمد على التحليل النفسي أو العلاج الذهني السلوكي، كما أن العلاج بالأدوية لا يكون كافياً لهم، وأحياناً كثيرة يكون مضراً بسبب أعراضه الجانبية الكثيرة.
هنا يفضل المتخصصون دمج الخيول في الخطة العلاجية؛ إذ يستخدم الخيل لتعزيز الاستشفاء النفسي والوظيفي والجسدي والروحي، عند المصابين بأنواع عديدة من الأمراض النفسية والجسدية، كما أنها أثبتت فاعليتها بالذات عند الجنود المصابين باضطراب ما بعد الصدمة بسبب
الحروب.
ويضيف د.مور أن المتخصصين في هذا المجال يؤمنون أن الصفات المشتركة الكثيرة بين الخيل والإنسان تساعد على بناء
علاقة مبنية على الانفتاح والثقة والشعور بالأمان جسدياً ونفسياً. ومن ثم تغذي هذه العلاقة الشعور بالأمان والتعاطف والصبر، وتحفز مشاعر الحب على أنواعها، التي تعتبر ضرورية من أجل التخلص من الضغط الناتج عن الصدمات النفسية.
إلى جانب ذلك، تميل الخيل لتكون متنبهة بشكل كبير أكثر من الإنسان للبيئة المحيطة والأخطار المحتملة، كما أن رد فعلها في وقت الخطر يكون فورياً وسريعاً، مما يوفر الاطمئنان لصاحب الخيل لمجرد أنه يعرف أن خيله متنبّهة دائماً. فمن المعروف أن المصابين باضطراب ما بعد الصدمة يعانون من التخوف الدائم والشك بوجود أخطار وشيكة بالبيئة المحيطة مما يزيد من قلقهم ويثبّته.
ويضيف د.مور أنه على الرغم من كون العلاج بالخيل لا يعتبر علاجاً تقليدياً لاضطراب ما بعد الصدمة، إلا أنه يتم تقبله بشكل متسارع بين جمهور المتخصصين والمعالجين والباحثين، ويتم دمجه كوسيلة
علاجية مساعدة.
وخلال العلاج يقوم المتخصص ببناء خطة مدتها 90 يوماً على الأقل وقد تمتد لسنوات، يتعرف فيها المصاب على حصان ليقضي معه وقته، يربيه ويتفاعل معه مع مرافقة المتخصص الذي يشرف على علاجه.
وقد ثبتت فاعليته على
الكثير من الجنود الأمريكيين المصابين بالاضطراب الذين تلقوا العلاج في مستشفى ماساشوستس. إذ انخفضت لديهم نسبة التوتر والاضطراب، وتحسن مزاجهم وأصبح لديهم شعور من السلام الداخلي والاطمئنان.
إلى جانب ذلك، يقول د.مور إن العلاج عن طريق الخيول قد ساعد
الكثير من المصابين الذين يتلقون علاجهم في مركز "رانتش ماليبو" في كاليفورنيا، بتجاوز الاضطراب وتحسين علاقاتهم مع زوجاتهم.
وكانت قناة "ناشيونال جيوغرافيك" قد أنتجت فيلماً وثائقياً قصيراً عن جنود أمريكيين يتلقون العلاج النفسي ما بعد الحرب عن طريق تربية الخيول. ويبين الفيلم الجنود القدامى وهم يتحدثون عن تجربتهم مع العلاج وآثاره عليهم، كما يبين أجزاءً من جلسات
علاجية يكون فيها الطبيب حاضراً.
(
نقطة)