إنتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل روسيا بسبب عمليات القصف في سوريا التي أجبرَت عشرات الألوف من المدنيين على الفرار. وفي وقتٍ عَقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً مع ملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة في منتجع سوتشي، طالبَ المتحدّث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا، بتوضيح من الخارجية الأميركية بشأن تصريحات غير رسمية نَقلتها تقارير متطابقة عن وزير الخارجية جون كيري قيل إنّه أدلى بها في حوارات جانبية على هامش مؤتمر المانحين في لندن في الخامس من الشهر الجاري.
سيؤدّي إلى تفاقم الأزمة في هذا البلدقالت ميركل خلال زيارة لأنقرة إنّها شعرت «بالفزع والصدمة» جرّاء معاناة المدنيين في مدينة حلب السوريّة، وهي تلقي باللوم فيها على قصف يأتي أساساً من الجانب الروسي الذي يدعم الحكومة السورية. وتابعَت: «يتعيّن علينا إلقاء نظرة أخرى على القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أيّدَته روسيا». وأضافت: «يطالب مجلس الأمن في القرار جميعَ الأطراف بوقف الهجمات على المدنيين والأهداف المدنية دون تأخير وبخاصة الإستخدام العشوائي للأسلحة، مثل القصف الجوّي، هذا محدّد تماماً في القرار». وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو دعَت ميركل أنقرة إلى اتّخاذ خطوات سريعة لتحسين أوضاع اللاجئين في تركيا قائلةً إنّ ثلاثة مليارات يورو تعهّدَ بها الاتّحاد الأوروبي في مؤتمر للمانحين عُقد الأسبوع الماضي يجب استغلالها على نحو فعّال من دون تأخير، ويتعيّن علينا العمل على ذلك، نحتاج للتأكّد من عدم وجود الكثير من المعوقات البيروقراطية، اللاجئون يجب أن يرَوا المزايا بسرعة وبدون بيروقراطية». وأعلنَت ميركل أنّ أنقرة وبرلين ستطلبان من الحلف الأطلسي المساعدة في القيام بدوريات على طول السواحل التركية لمنع المهرّبين من نقل المهاجرين في قوارب مكتظّة للعبور بهم في مياه البحر الخطرة الى اليونان. وقالت: «سنستفيد من فرصة لقاء وزراء دفاع حلف الأطلسي لبحث الاحتمالات وفي أيّ شكل يمكن للحلف أن يساعد في مجال مراقبة البحر لدعم عمل الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود وخفر السواحل الأتراك».
مِن جهته، أكّد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أنّ نحو 30 ألف مدني سوري يحتشدون على الحدود التركية التي لا تزال مغلقة. وقال داود أوغلو: «يحتشد نحو 30 ألف سوري حالياً في منطقة قريبة من الحدود التركية». وأضاف: «بالتأكيد وكعادتنا دوماً سنلبّي حاجات أشقّائنا السوريين ونقبَلهم عندما سيكون ذلك ضرورياً». لكنّه حذّرَ بوضوح من أنّ بلاده التي تؤوي 2,7 مليون سوري لن تتحمّل وحدَها «كامل العبء» المترتّب على استقبال لاجئين. في وقتٍ، وقعَ حادثا غرقٍ جديدان يذكّران بخطورة الوضع، فقد قضى 35 مهاجراً على الأقل غرقاً قبالة السواحل الغربية لتركيا فيما كانوا يحاولون الوصول إلى جزيرة ليسبوس اليونانية.
وفي سياق متصل، أقامت مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية عشرات الخيام داخل سوريا لإيواء عشرات الآلاف من الفارّين بَعد تصعيد هجوم القوات الحكومية على حلب واستهداف القرى الموجودة على الطريق الذي يربط بين المدينة والحدود التركية. وقالت السلطات إنّ الحدود مفتوحة لكنْ جرى إيواء اللاجئين في خيام على الجانب السوري من الحدود عند معبر «اونجوبينار» القريب من مدينة «كيليس» التركية الذي ظلّ مغلقاً معظم الوقت على مدار عام وقالت السلطات التركية إنّهم آمنون في الوقت الراهن.
في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البحريني خالد بن أحمد آل خليفة في أعقاب المحادثات التي جمعَت الرئيس بوتين بملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة في منتجَع سوتشي جنوب روسيا: «يَكمن موقفنا المشترك في ضرورة ترتيب أولويات المجتمع الدولي قبل كلّ شيء، ومِن هذه الأولويات محاربة الإرهاب بلا هوادة، وتسوية النزاعات في الشرق الأوسط بالوسائل السلمية وعدم السماح بخطوات تؤدّي إلى تفكيك الدوَل». وأكّد لافروف أنّ روسيا والبحرين تدعوان إلى تسوية كافة النزاعات في الشرق الأوسط بالوسائل السلمية، وتصِرّان على حقّ الشعوب في تقرير مصيرها. وتابَع: إنّ الطرفين أكّدا على دعمهما للجهود الدولية على المسار السوري مع الالتزام الصارم بأحكام القرار الدولي رقم 2254 من أجل دعم الحوار السوري الشامل والرامي إلى تمكين السوريين من تقرير مصير بلادهم. وأضاف: «سنقدّم مثل هذه المساعدة في إطار مجموعة دعم سوريا، والتي ستَعقد اجتماعها المقبل في ميونيخ يوم 11 شباط. وأضاف لافروف: «إنّ روسيا والبحرين تريدان أن تكون سوريا دولة مستقرّة تعتمد على قواعد علمانية وتضمن وحدةَ أراضيها وحقوق جميع المواطنين.
تزامناً، قال السفير الروسي في دمشق ألكسندر كينشاك إنّ روسيا تقوم بتصدير أسلحة إلى سوريا وفقَ شروط مرنة، مؤكّداً أهمّية تعزيز التعاون العسكري التقني الروسي السوري في الظروف الحالية. وأعلن أنّ موسكو تمكّنَت من تنسيق الجهود مع بعض جماعات المعارضة المعتدلة في سوريا وستواصل تعزيز التعاون معها لمكافحة الإرهاب. وذكرَ أنّه لا يستبعد قيام الرئيس السوري بشّار الأسد بزيارة جديدة إلى روسيا في حال توصّلَ زعيما البلدين إلى اتّفاق بهذا الشأن. وقال كينشاك: «في الوقت الحالي، بحسب علمي، مسألة زيارة جديدة لبشّار الأسد إلى موسكو لم تدرَج في جدول الأعمال، إلّا أنّها يمكن أن تتمّ في أيّ وقتٍ إذا اتّخذ زعيما بلدَينا قراراً بهذا الشأن».
إلى ذلك، طالب المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا، بتوضيح من الخارجية الأميركية بشأن تصريحات غير رسمية نَقلتها تقارير متطابقة عن وزير الخارجية جون كيري، ونشرَت صحيفة «إيلاف» طلبَ نعسان آغا الذي اعتبَر التصريحات المنقولة عن كيري «من أخطر التصريحات، كونها تعكس لوماً على المعارضة السورية في إيقاف المفاوضات». وكان ناشطون نَقلوا عن كيري أنّ المعارضة ستتعرّض «للإبادة أمام وقعِ القصف العنيف المتوقّع أن تشهدَه سوريا خلال الأشهر المقبلة»، ما يعني تخلّي أميركا الكامل عن المعارضة السوريّة العسكرية.
ونَقل موقع أميركي أنّ كيري حذّر المعارضة من خطة النظام السوري وحلفائه لتصفيتِها خلال ثلاثة أشهر، وأشار تقرير لموقع «ميدل إيست آي» إلى أنّ كيري اجتمع بناشطين سوريين، وقال: «إنّه يتوقع 3 أشهر أخرى من القصف الذي سيُنهك المعارضة «، وتحدّث «عن اقتراب هزيمة المعارضة السورية بشكل كامل خلال الفترة المقبلة».
من جهته، أكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابري أنصاري أنّ التدخّل العسكري السعودي في سوريا سيؤدي إلى تفاقم الأزمة في هذا البلد، لافتاً إلى أنّ «الأزمة في سوريا تفجّرت وتفاقمَت بالأساس إثر تدخّل بعض القوى الإقليمية والدولية لفرض مطالبِها على الحكومة والشعب في سوريا». ورأى أنصاري أنّ «تلك السياسة ذاتها وتحويلَ هذه الأزمة إلى أزمة إقليمية تهدّد سلام وأمنَ المنطقة والعالم، لن يساهم في مجال حلّ الأزمة، بل سيؤدّي فقط إلى تفاقمها».
من جهة أخرى، اتّهم محقّقو الأمم المتحدة حول سوريا، في تقرير، دمشقَ بـ»إبادة» معتقلين، مؤكّدين أنّ وفاة محتجزين في السجون «على نطاق واسع» شكّلت تطبيقاً لـ»سياسة الدولة». وفي أحدثِ تقرير لها قالت لجنة التحقيق الدولية إنّه على مدى أربع سنوات ونصف سنة قتِل آلاف المعتقلين أثناء احتجازهم من قبَل مختلف أطراف النزاع في سوريا، مشيرةً إلى توثيق وفيات أثناء الحجز لدى مجموعات مسلّحة معارضة.
ميدانياً، تقدّمَ الجيش السوري نحو الحدود التركية في هجومٍ كبير تدعَمه روسيا وإيران، وتقول المعارضة المسلّحة إنّه يهدّد مستقبلَ الانتفاضة المندلعة منذ نحو خمس سنوات احتجاجاً على حكمِ الرئيس بشّار الأسد. ولعبَت الميليشيات المدعومة من إيران دوراً رئيسياً على الأرض بينما كثّفت الطائرات الروسية ما يَصفه المعارضون بسياسة الأرض المحروقة التي مكّنَت الجيش من العودة لمناطق استراتيجية في شمال البلاد للمرّة الأولى منذ أكثر من عامين. وقال عبد الرحيم النجداوي من جماعة لواء التوحيد المعارضة: «كلّ وجودنا مهدّد وليس فقط خسارة مزيد من الأرض». وأضاف: «هم يتقدّمون ونحن ننسحب. في وجه هذا القصف العنيف، علينا أن نخفّف من خسائرنا». وقال معارضون وسكّان ومنظمة تراقب الصراع إنّ الجيش السوري وحلفاءَه يَبعدون نحو خمسة كيلومترات تقريباً عن بلدة تل رفعت الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو ما يجعلهم على بُعد نحو 25 كيلومتراً من الحدود التركية. ووفقاً لِما قاله أحد سكّان بلدة أعزاز فإنّ القصف الروسي المكثّف في اليومين الماضيين على بلدتَي عندان وحريتان شمال غربي حلب دفعَ آلافاً آخرين إلى الفرار. (وكالات)