بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي لمعالجة التوترات المتصاعدة في إدلب، تعمل موسكو ودمشق على تعزيز المكاسب السياسية الأخيرة التي تحققت على طول الحدود الجنوبية للبلاد.
وبحسب ما ذكر موقع "ميدل ايست أي" البريطاني،" أكمل فريق من الفنيين اللبنانيين بمؤازرة نظراء سوريين لهم، الثلاثاء، عملية تدقيق لخط الغاز العربي في الدولة التي مزقتها الحرب والتي من المقرر أن يمر الغاز المصري عبرها، في إطار خطة تدعمها الولايات المتحدة للتعامل مع أزمة الطاقة اللبنانية".
تقدم العمل في خط الأنابيب بشكل سريع ويأتي في الوقت الذي تجد فيه دمشق نفسها في خضم تحول دقيق في المنطقة. فبعد ما يقارب العقد من العزلة الدولية، عادت إلى حضن الدبلوماسية الإقليمية بطرق لم نشهدها منذ بدء الصراع المدمر الذي استمر عشر سنوات في البلاد.
فمشاركة دمشق في الخطة، أثارت قلق البعض من أنه في سعيها لمعالجة الأزمة اللبنانية، تخاطر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتعزيز هدف روسيا وسوريا المتمثل في إعادة تشكيل حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في الشرق الأوسط، مع الحصول على تنازلات محدودة بشأن الجبهات الأمنية والسياسية في العملية.
وقال جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا، في حديث للموقع: "يطالب الروس بالإعتراف بما يرونه انتصاراً عسكريا لهم في سوريا، لكنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون إلصاق صفة النجاح به".
وأضاف: "للقيام بذلك، يحتاجون إلى إعادة تأهيل الأسد دبلوماسياً، إضافة إلى تخفيف وطأة العقوبات وإلى برنامج ضخم لاعادة الاعمار".
يرى البعض أنه ،مع مشاركة سوريا الآن في الخطة الأميركية لمساعدة لبنان، قد تتحسس روسيا مجالاً للضغط عبره من أجل أجندتها.
ويقول نيكولاي كوزانوف، مساعد أكاديمي في البرنامج الروسي والأوراسي في تشاتام هاوس، للموقع عينه: "يُنظر إلى هذه الصفقة على أنها إنجاز كبير للكرملين".
تدخلت روسيا في الصراع السوري في عام 2015 وساعد دعمها الجوي في قلب موازين الحرب، مما سمح للأسد باستعادة ما يقارب من 70 في المئة من الأراضي التي فقدها في يد المعارضة في أعقاب انتفاضة الربيع العربي عام 2011.
منذ ذلك الحين، رسخت نفسها في البلاد وسعت إلى استخدام موقعها في سوريا لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط الكبير.
وتابع كوزانوف قائلاً: "تتعامل روسيا مع صفقة البيت الأبيض للغاز على أنها إشارة إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تتصرف بصرامة مع سوريا ولن تنفذ كل وسائل الضغط التي لديها ضد الأسد".
لا تزال سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا قيد المراجعة رسميًا ولم ترد وزارة الخارجية على أسئلة موقع "ميدل إيست آي" في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على سوريا إلى حين نشر المقال.
وقال جيفري إن حزمة الإعفاءات من العقوبات التي وافقت عليها وزارة الخزانة مسبقًا في خلال حقبة ترامب موجودة بالفعل. وأكد: "كنا (إدارة ترامب) نتطلع إلى صفقة لنقل الغاز أو الكهرباء بافتراض أن موسكو ستدعم الجهود السياسية للأمم المتحدة". وتابع قائلاً: "هناك طريقة للتنازل عن هذا الشيء".
وقالت منى يعقوبيان، كبيرة مستشاري معهد الولايات المتحدة للسلام، في حديث للموقع، إن جهود إدارة بايدن لتأمين الدعم لخط الأنابيب استندت بشكل مباشر إلى رغبتها في معالجة الأزمة الإنسانية في لبنان.
وسواء كانت هذه هي نية واشنطن أم لم تكن، فمن المرجح أن يكون لأي تحول بسيط في سوريا تأثير كبير على دمشق التي عوملت على أنها منبوذة دوليًا لما يقارب العقد من الزمن.
ورأت يعقوبيان أن تركيز إدارة بايدن على خط الأنابيب كان جزءًا من تعهدها بوضع المساعدات الإنسانية في قلب السياسة الخارجية لواشنطن.
كانت قضية المساعدات لسوريا على رأس أولويات البيت الأبيض، وقد أثار بايدن الموضوع في وقت سابق من هذا الصيف في قمته مع بوتين.
وقال جيفري: "لدى روسيا هدف أكثر طموحًا بكثير من الاعتراف بانتصار عسكري في سوريا". وتابع قائلاً: "إنهم يريدون الاستفادة من موقعهم في البلاد لإعادة كتابة الهيكل الأمني للشرق الأوسط بأكمله".
إذاً، من خلال تشغيل تدفق الغاز، أوجدت الولايات المتحدة بعدًا جديدًا لمناورة موسكو في سوريا. ومن المحتمل أن تكون لكيفية تعاملها مع الفرصة آثار أبعد من مجرد تلبية احتياجات الطاقة في لبنان.