يكشف الاستحقاق الرئاسي الذي بدأ يتحول الى إجراء سياسي عملي، الكثير من التوازنات السياسية والنيابية في لبنان. لكن احدى أبرز الامور التي يكشفها هي التشرذم الكبير داخل كتلة نواب "التغيير" التي حاولت في الفترة الفائتة إظهار تماسكها الصّلب حيث حرصت على عدم تظهير خلافاتها الداخلية الى العلن.
وعلى أعتاب الانتخابات الرئاسية، بدأت التباينات الكبيرة بين نواب "كتلة التغيير" تتكشّف بشكل واضح، إذ ركن هؤلاء الى منطق الهروب الى الامام، وذلك من خلال أداء يمكن وصفه في السياسة بالعملية الاستعراضية. إذ بعدما تمّ الاتفاق على اسم مرشح رئاسي في الجلسة الاولى تبيّن أن المرشح نفسه غير راغب بخوض غمار المعركة السياسية الشرسة، علماً أن الوصول الى التوافق على اسم مرشح استدعى بعض الخلافات حول دعم النائب ميشال معوض، حيث بدا انقسام "التغييريين" اكبر من توافقهم.
وبحسب المعلومات فإن رفض البعض لخيار معوّض أدّى الى إفشاله بعد استعجال ترشيح شخصية اخرى من دون التنسيق الكامل معها، الامر الذي ظهر في الايام التي تبعت الجلسة الاولى لانتخاب رئيس للجمهورية.
المشكلة الأساسية التي أطلّت خلال المرحلة التي تلت الجلسة تكمن في تصدّع "قوى التغيير" التي تداخلت مواقفها في ما بينها بفعل التوجهات السياسية المختلفة داخل الكتلة الواحدة وتفاوت نظرتها الى العديد من الملفات الاستراتيجية وحتى في بعض الوقائع التكتيكية. اضافة الى الرأي العام العاتب على أداء "التغييريين" الذين ذهبوا الى التوافق على اسم يشكّل عقدة ربط بين عدة قوى سياسية، الامر الذي وصفه البعض "بالتذاكي السياسي" الذي لا يخدم قضية التغيير!
ترى مصادر سياسية مطلعة أن الانقسام الحاصل داخل فريق الثامن من آذار والذي يقابله تشتت في قوى 14 آذار نتج عنه توجهات مختلفة بين الافرقاء انعكست ايضاً على "كتلة التغيير"، الامر الذي اعتبر ضربة قاسية وقاصمة لها بعد أن سوّقت لنفسها خلال المرحلة الماضية باعتبارها متمايزة عن القوى السياسية التقليدية وقادرة على نقل الحياة السياسية في لبنان من مستوى الى اخر.
ثمة مبادرات جدية وجهود مبذولة خلف الكواليس وبعيداً عن الاعلام من اجل استدراك "الورطة" التي وقعت فيها "كتلة التغيير" والسعي لتحقيق إنجاز على المستوى النيابي، إذ إن عدم القدرة على تحصيل هذا الإنجاز من وجهة نظر معظم الاعضاء والمؤثرين في قوى التغيير يعني تراجع الزخم الشعبي الذي تمتعت به خلال الانتخابات النيابية الاخيرة حيث فلحت آنذاك بإيصال 13 نائباً الى البرلمان.