لا ينفصل الاشتباك السياسي الحالي عن المماطلة التي تتبناها جميع القوى السياسية وتتعايش معها من دون القيام بأي خطوات جذرية تؤدي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اذ ان السقف العالي في الخطاب السياسي المعتمد حالياً من قبل الافرقاء يملأ الفراغ الدستوري المفروض على لبنان.
تكثر المبادرات السياسية التي يقوم بها في أغلب الاوقات نواب التغيير او النواب المستقلون، وهؤلاء يحاولون بإستمرار تحقيق خرق في جدار الازمة بالرغم من قناعتهم انهم غير قادرين على قلب الموازين النيابية لكنهم يستطيعون تعرية القوى السياسية الذين يعجزون عن اخراج البلاد من ازمتها، او اقله هكذا يعتقدون.
وبحسب المعطيات لا يزال موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعيد المنال، خصوصا وان التسويات السياسية الشاملة التي تنهي ازمة بحجم الازمة اللبنانية لم تظهر تباشيرها بعد، بل على العكس فإن الكباش الحاصل يوحي بأن التسوية بعيدة وان الرئاسة مؤجلة الى حين حصول المعجزة.
حتى في اطار المواجهة السياسية يبدو الافرقاء اللبنانيون غير قادرين على ايصال رئيس مواجهة في ظل التوازنات النيابية الدقيقة التي تمكّن مجموعة من خمس نواب من امتلاك قدرة التعطيل ومنع هذا الفريق او ذاك من الوصول الى تحقيق إنتصار في الاستحقاق الرئاسي، اذ سيتم تعطيل تأمين النصاب والاكثرية النيابية بسهولة.
كما ان التكتلات الكبرى التي تنشأ وآخرها لقاء الـ٢٧ نائباً ليس قادرا على احداث اي تعديل في المشهد، بل على العكس، يعقّده، لانه اقتطع من الاكثرية المفترضة، اي خصوم "حزب الله" عددا لا بأس به من النواب وجعل الاكثرية (الوهمية عمليا) منقسمة الى كتلتين كبيرتين، "كتلة القوات والاشتراكي" و" كتلة الكتائب وبعض المستقلين والتغييريين".
يضاف الى هذا الانقسام، انقسام حلفاء "حزب الله" العاجزين عن توحيد صفوف القوى المسيحية وتحديدا التيار الوطني الحر وتيار المردة وهو ما يجعل هذه القوى عاجزة عن تحقيق اي انجاز سياسي ورئاسي بإنتظار حصول تسوية تؤثر على باقي الافرقاء وتوصل الى انهاء الفراغ الدستوري الحاصل.
هكذا يصبح الرهان على الواقع الاقليمي والدولي الذي قد يكون جزءا لا بأس به من ضرورات الحل، لكن التطورات التي تسلك طريقها نحو التسوية تنتظرها مطبات كبرى لم تكن في الحسبان ، مثل فوز نتنياهو بالانتخابات الاسرائيلية وانفجار العلاقة الخليجية- الايرانية، فهل نكون امام فراغ رئاسي طويل المدى؟