اكّدت جلسة أمس التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية المؤكّد، إذ إنه بدا واضحاً أن لا أفق في المدى المنظور لإيصال أي مرشح الى بعبدا، وبالتالي فإن المماطلة أو ربما الفشل في هذا الاستحقاق يمكن تفسيره من عدة جوانب لا سيما على مستوى ارتباطه على المستوى الداخلي او الاقليمي او على الصعيد الدولي المشغول تماما عن الساحة اللبنانية، ما يوحي بتكرار المشهد الاستعراضي في الجلسات المقبلة حيث سيبقى الفراغ سيد الموقف.
ولعلّ التعطيل الحاصل يعود لعدة عوامل رئيسية. وبمعزل عن الاسباب المرتبطة بالقوى الخارجية المعنية بالملف الرئاسي التي لا تضع لبنان على سلّم أولوياتها في هذه المرحلة، بغض النظر عن المساعي الدولية عبر سفراء بعض الدول للضغط باتجاه الالتزام بانتخاب رئيس جديد للبلاد، فإن انعدام التوافق يين القوى المحلية الغارقة في التباينات السياسية حول مواصفات الرئيس المُقبل في ظلّ الخلل المسيطر على موازين القوى، يشكّل احد الاسباب الاساسية للاخفاق الكبير الحاصل في هذا الاستحقاق، سيّما وان كل الفرقاء يمتلكون قدرة تعطيلية صلبة تمنع فرض أي مرشح بلا توافق.
مما لا شكّ فيه أن "التيار الوطني الحر" يبدو الأقدر على منع وصول أي رئيس ضدّ ارادته، معتمداً بذلك على حليفه الوحيد "حزب الله" الذي يمتلك في صحيفته السياسية شهادة إتقان للعبة "الڤيتو"، وذلك بعيداً عن مدى جدية عدم رغبته بالخوض في المعركة الرئاسية وإعادة عقارب الساعة الى مرحلة انتخاب الرئيس السابق ميشال عون.
كذلك، فإن "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي استعاد أمجاد "بيضة القبان" عبر امتلاكه كتلة وازنة في المجلس النيابي، يحمل في جيبه نسخة عن مفتاح التعطيل تمكّنه من القبول بهذا المرشح او ذاك او رفضه، ما سيفقد، في حالة الرفض، أي تكتل نيابي وسياسي الاكثرية النيابية اللازمة لانتخاب رئيس او ايصال مرشحه الى سدّة الجمهورية.
في الوقت نفسه، تستطيع قوى الرابع عشر من آذار او ما تبقّى منها وتحديدا "القوات اللبنانية" فرض شروطها، خصوصاً وانها تحظى بكتلة نيابية واسعة التي تُؤمنها علاقتها الجيدة مع عدد لا بأس به من النواب خارج الكتلة. وعليه، فإن رفض "القوات" لمرشح معين، سيعرقل وصوله الى "بعبدا" لا سيما إذا ما توافق معها النائب جبران باسيل، رئيس "التيار الوطني الحر"، على عدم القبول به، حينئذ سيتعذر بلوغ هذا المرشح كرسي الرئاسة على قاعدة فقدان الميثاقية.
ومثال صغير على ذلك، فإن رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لن يستطيع الوصول الى رئاسة الجمهورية في حال عدم تأييد "التيار الوطني الحر" له، كذلك الامر في حال رفضه من قِبل "التقدمي الاشتراكي"، ومن جهة اخرى فإن المرشح الرئاسي ميشال معوض لن يتمكن من الفوز في المعركة الرئاسية في حال قرر "حزب الله" أن يسحب منه هذه الفرصة.
لذلك فإن كل هذه الكتل التي تتمسّك بحقها في "الڤيتو السياسي" ، لها الحق أيضاً بفرض شروطها من الان حتى حصول التسوية الكبرى التي تتدخل فيها قوى اقليمية بهدف تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين. وعندها فقط يمكن الوصول الى لحظة تُعقد فيها جلسة نيابية يولد منها رئيس جديد للجمهورية.