أخيرًا، وبعد طول انتظار، خرج الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله عن "صمته الرئاسي"، إن جاز التعبير، مفنّدًا "مواصفات" مرشحه للرئاسة، بعيدًا عن "الأوراق البيض" التي يلتزم بها نواب الحزب حتى الآن في جلسات البرلمان الانتخابية، وقوام هذه "المواصفات" أن يكون الرئيس العتيد حاميًا للمقاومة، لا يطعنها في الظهر، وفوق ذلك، شجاعًا ومقدامًا، وقبل كلّ ما سبق، لا يُباع ولا يُشترى، وفق توصيفه.
وفيما لم يُقرِن السيد نصر الله هذه المواصفات بأسماء من هذا الفريق أو ذاك، اعتبر كثيرون أنّ المواصفات التي رسمها للرئيس العتيد، "مفصّلة على قياس" مرشحين محدّدين دون غيرهم، وعلى رأسهم حليفيه "اللدودين"، رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الطامح للوصول إلى بعبدا منذ ما قبل "عهد" ميشال عون، ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، المراهن على ظروف قد تميل لصالحه، رغم كلّ شيء.
في المقابل، ثمّة من اعتبر أنّ الهدف "الأسمى" الذي توخّاه السيد نصر الله من خلف مواصفاته هذه لم يكن سوى "قطع الطريق" على مرشحين آخرين، بدأت "أسهمهم" بالارتفاع في الآونة الأخيرة، قد يكون على رأسهم قائد الجيش جوزاف عون، إضافة إلى مرشح المعارضة النائب ميشال معوض، ليبقى السؤال الأكبر: متى يذهب "حزب الله" بعيدًا في "المعركة"، ويعلن "الحرف الأول" من اسم مرشحه للرئاسة، كما فعل عام 2014؟!
مواصفات "مفصّلة"
في المبدأ، ورغم "الجدل" الذي أثارته في الأوساط السياسية، والاعتراضات التي ولّدتها خصوصًا لدى خصوم "حزب الله"، الذين استنفروا لرفض ما اعتبروها "شروطًا" من جانب السيد نصر الله على أيّ مرشح رئاسي، فإنّ "المواصفات" التي أعلنها الرجل، لم تكن مفاجئة للمتابعين، الذين يلفتون إلى أنّه كان معروفًا منذ اللحظة الأولى، أنّ "الحزب" لن يقبل بأيّ مرشح لا يضمن "سلفًا" موقفه من المقاومة، وعدم "انقلابه" عليها في أيّ ظرف.
صحيح أنّ "عهد" ميشال عون لم يكن "مثاليًا" بالنسبة إلى "حزب الله"، فهو لم يحقّق فيه الكثير ممّا كان يتمنّاه، حتى إنّ "العهد القوي"، كما وُصِف، بدا "أضعف" من التوقعات، إلا أنّ الأكيد وفق هؤلاء المتابعين، أنّ "حزب الله" يفضّل تجربة عون، وقبله الرئيس السابق إميل لحود، على تجربة أيّ رئيس "رماديّ" أو "وسطيّ" لا يوحي بالثقة، وهو لا يرغب بتكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان، المتهَم من أوساط الحزب بـ"الانقلاب على المقاومة".
من هنا، يقول العارفون إنّ مواصفات نصر الله قد تكون فعلاً "مفصّلة" على قياس حليفيه سليمان فرنجية وجبران باسيل، لكنّها بحدّ ذاتها لم تشكّل أيّ "مفاجأة"، فنواب "الحزب"، وعلى رأسهم رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، يكرّرون منذ فترة وجوب أن يكون الرئيس العتيد ممّن "يعترفون بالمقاومة"، ويقدّرون دورها، وبالتالي فإنّ ما قاله الأمين العام للحزب جاء "متناغمًا" بشكل أو بآخر مع هذا الموقف "المحسوم" منذ اليوم الأول.
بانتظار "الظروف"
في السياق نفسه، قد لا يكون "مُبالَغًا به" الاستنتاج من كلام السيد نصر الله، بأنّ المرشّح المفضّل لـ"حزب الله" يبقى أحد حليفيه المقرَّبين، وهو الراغب في حصول الاتفاق بينهما اليوم قبل الغد، علمًا أنّه ليس سرًا أيضًا أنّ مرشحه "المفضّل" يبقى رئيس تيار "المردة"، ولو أنّه لا يعلن ذلك صراحةً للعديد من الأسباب، بينها مراعاة "خصوصية" فرنجية الرافض لتصوير نفسه على أنه "مرشح الحزب"، ولكن أيضًا مراعاة "خصوصية" باسيل، الرافض لمثل هذا الترشيح.
وإذا كان "حزب الله" يراهن وفق العارفين، على "مرونة" قد يبديها باسيل في موقفه من فرنجية مع الوقت، ولو أنّه لا يبدي شيئًا منها حتى الآن، بعدما "تعمّد" كشف مداولاته مع السيد نصر الله بهذا الخصوص عقب لقائهما الأخير، فإنّه يعتقد أنّ "الظروف" ستقول كلمتها في هذا الإطار، علمًا أنّ "الحزب" لا يزال متمسّكًا في الظاهر بانفتاحه على "التسوية"، ولو أنّه يعتقد أن قوامها انتخاب فرنجية رئيسًا، في إطار "سلّة متكاملة" يمكن الاتفاق على تفاصيلها لاحقًا.
رغم كلّ ما سبق، لا يرجّح المتابعون أن يذهب "حزب الله" في المدى المنظور أبعد من ذلك، فظروف اليوم لا تشبه ظروف 2014، وهو لن يقدم على الإعلان عن اسم "الحرف الأول" من مرشحه للرئاسة، لأنّه ليس بصدد تكرار نموذج "ميشال عون أو لا أحد"، وتحمّل مسؤولية "ديمومة" الفراغ، سياسيًا وأخلاقيًا، كما أنّ الأولوية بالنسبة إليه تبقى "الحفاظ" على حليفيه، وهنا المهمّة الأصعب، وربما "التعجيزية"، وفق ما يعتقد كثيرون.
قال السيد حسن نصر الله كلمته، لكنّه لن "يكملها" على الأرجح، في الأمد المنظور، فترجمة المواصفات إلى اسم محدّد، على "سهولتها" وفقًا لمعظم المتابعين، الذين لم يتردّدوا في وضع "الاسم المناسب" في مكانه، تبدو مهمّة أكثر من "معقّدة" بالنسبة إلى "الحزب"، الذي وجد في "الأوراق البيض" ضالته لتفادي "الإحراج"، في "تكتيك" يبدو أنّه مستمرّ حتى إشعار آخر، رغم كلّ "الانتقادات" التي بدأت تبرز، داخل "8 آذار" قبل خارجها!