توصلت دراسة جديدة إلى أن حقن البوتوكس يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض حالات الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق. تُستخدم حقن توكسين البوتولينوم BTX، والتي شاعت الإشارة إليها بـ "مادة البوتوكس"، هي في المقام الأول تستخدم للإجراءات التجميلية، لأنها تسبب استرخاء العضلات، وعند تطبيقها على مناطق معينة من الوجه، يمكن لمادة البوتوكس أن تخفف الخطوط والتجاعيد، بحسب ما نشره موقع EuroNews نقلًا عن دراسة نشرتها دورية Scientific Reports.
"عضلات الحزن"
كان ومازال استرخاء عضلات الوجه موضوع بحث عدد من الدراسات، حيث يسعى العلماء لمعرفة ما إذا كان يمكن استخدامه للتخفيف من أعراض حالات الصحة النفسية. وعلى وجه التحديد، تدور الفكرة حول إمكانية استهداف ما أطلق عليه عالم الأحياء التطوري تشارلز داروين "عضلات الحزن".
قال دكتور أكسل وولمر، خبير الطب النفسي والباحث بجامعة سيميلويس في هامبورغ وأحد كبار الباحثين في الدراسة: "إن هذا المجال البحثي بأكمله الذي يستخدم توكسين البوتولينوم كعلاج للاضطرابات العقلية يعتمد على فرضية ردود الفعل على الوجه".
حلقة مفرغة
وأضاف قائلًا إن هذه الفرضية تعود إلى داروين وويليام جيمس (المعروف باسم "أب" علم النفس الأميركي) في القرن التاسع عشر، مشيرًا إلى أنها تنص على أن تعابير وجه الإنسان لا تنقل حالته العاطفية للآخرين فحسب، بل إنها تعبر عنها له هو نفسه أيضًا.
إن النظرية هي أنه في حين أن بعض تعبيرات الوجه مثل العبوس ناتجة عن المشاعر السلبية، فإن تعابير الوجه نفسها تعزز بالفعل تلك المشاعر في حلقة مفرغة.
قال وولمر إن "أحدهما يعزز الآخر وربما يتصاعد إلى مستوى حرج من الإثارة العاطفية التي ربما تكون مشكلة في حالات الصحة العقلية".
استرخاء منطقة "غلابيلار"
جنباً إلى جنب مع باحثين من كلية هانوفر الطبية في ألمانيا، شرع وولمر وفريقه في البناء على الأبحاث السابقة في حقن البوتوكس في منطقة غلابيلار، وهي منطقة الوجه فوق الأنف وبين الحاجبين، والتي غالبًا ما تعكس توتر الشخص عندما يعاني من تجربة مشاعر سلبية.
أوضح وولمر أنه "بمجرد أن يتم تنشيط عضلات الوجه للتعبير عن المشاعر، فإنه يتم توليد إشارة تحفيز الجسم، التي تعود من الوجه إلى الدماغ العاطفي وتعزز هذه الحالة العاطفية وتحافظ عليها. ومن خلال تجسيد هذه المشاعر فقط، يشعر بها المرء حقًا على أنها مشاعر دافئة وكاملة، أو بمجرد أن يتم قمع هذا التجسيد، تهدأ المشاعر ولا يُنظر إليها على هذا النحو".
اضطراب الشخصية الحدية
سعى الباحثون إلى التقاط ما يحدث في الدماغ عندما تنكسر حلقة التغذية الراجعة الإيجابية، عن طريق إرخاء عضلات الحزن، لذا قاموا بفحص 45 مريضة يعانين من اضطراب الشخصية الحدية BPD، وهو أحد أكثر اضطرابات الشخصية شيوعًا.
أوضح فريق الباحثين أن المرضى، الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية يعانون من "مشاعر سلبية زائدة"، بما يشمل الغضب والخوف. قال وولمر إن مرضى اضطراب الشخصية الحدية يعتبرون "إلى حد ما، نموذج أولي لكونهم مرتبكين مرارًا وتكرارًا بمجموعة من المشاعر السلبية التي لا يمكنهم السيطرة عليها حقًا". ومن ثم تلقى بعض المشاركين في الدراسة حقن البوتوكس، بينما تلقت المجموعة الحاكمة الوخز بالإبر.
رنين مغناطيسي للدماغ
قبل العلاج وبعد أربعة أسابيع، تم تكليف المشاركين بما يسمى مهمة "الذهاب / عدم الذهاب" العاطفية، حيث كان عليهم التحكم في ردود أفعالهم تجاه إشارات معينة أثناء رؤية صور الوجوه ذات التعبيرات العاطفية المختلفة، بينما كان الباحثون يقومون بفحص أدمغتهم باستخدام التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي. أعطت التجربة نتائج مختلطة، إذ أظهر كل من مرضى البوتوكس والوخز بالإبر تحسنًا مماثلاً بعد العلاج، لكن كان سبب تحفيز وتشجيع فريق الباحثين نتيجتان أخريان.
تلطيف اللوزة
من خلال فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، تم لأول مرة اكتشاف كيفية قيام حقن البوتوكس بتعديل الجوانب العصبية الحيوية لاضطراب الشخصية الحدية، حيث أظهرت صور الرنين المغناطيسي انخفاضًا في نشاط منطقة اللوزة في الدماغ استجابةً للمنبهات العاطفية.
قال وولمر: "اكتشفنا تأثيرًا مهدئًا على اللوزة المخية، والتي تشارك بشكل حاسم في معالجة المشاعر السلبية وهي مفرطة النشاط في مرضى الاضطرابات الحدية"، مضيفًا أنه لم يتم ملاحظة نفس التأثير في المجموعة الضابطة التي عولجت بالوخز بالإبر.
كما لاحظ الباحثون أن الحقن بمادة البوتوكس قلل من السلوك الاندفاعي للمرضى أثناء مهمة "الذهاب / عدم الذهاب"، وكان مرتبطًا بتنشيط مناطق الفص الجبهي في الدماغ التي تشارك في التحكم المثبط.
علاج البوتوكس للاكتئاب
تطرقت الأبحاث السابقة إلى كيفية تمكن حقن البوتوكس من كسر حلقات التغذية الراجعة في مناطق أخرى من الوجه والجسم.
توصلت دراسة تحليلية، أجريت عام 2021، وشملت فحص بيانات 40 ألف شخص من مرضى تم حقنهم بمادة البوتوكس في قاعدة بيانات إدارة الغذاء والدواء الأميركية، إلى أن اضطرابات القلق كانت أقل شيوعًا بنسبة 22 إلى 72% من المرضى الذين تلقوا علاجات أخرى لنفس الظروف. وكان قد تم إجراء بحث مماثل في عام 2020 حول التأثيرات الضاغطة لحقن البوتوكس، والتي أظهرت أنه يمكن استخدامها لعلاج الاكتئاب علاوة على أنها يمكن أن تمنح وقاية من الإصابة به.
أمراض نفسية أخرى
وقال وولمر إن العلاجات الراسخة مثل العلاج النفسي أو مضادات الاكتئاب لا تعمل بشكل جيد بما يكفي لنحو ثلث مرضى الاكتئاب، "لذلك فإن هناك حاجة لتطوير خيارات علاجية جديدة، وهنا يمكن أن يكون لحقن مادة البوتوكس دورًا"، معربًا عن أمله وفريقه البحثي في رؤية النتائج، التي تم التحقيق فيها، بشكل أكبر في تجربة سريرية أوسع نطاقًا من المرحلة الثالثة، حيث سيمكن أن يكتشف الباحثون ما إذا كان يمكن معالجة أي حالات صحية عقلية أخرى باستخدام نهج الحقن بمادة البوتوكس.
(العربية)