على رغم المساعي التي يقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري لتقصير عمر "الفراغ الرئاسي" فإن لا جديد يوحي بإمكانية دفع الأمور إلى خواتيمها المرجوة في القريب العاجل، أقّله قبل رأس السنة، حيث لا مؤشرات جديدة تطفو على سطح الأزمة السياسية المرتبطة أساسًا بالأزمة الرئاسية، وبما يصاحبها من أزمات إقتصادية ومالية ونقدية وإجتماعية وحياتية. فالوضع الضاغط في كل إتجاه لا يسمح كثيرًا في تمادي الأطراف الداخليين بالمراهنة على متغيّرات خارجية، وإن كان البعض لا يرى أي إمكانية لحلحلة معينة بالنسبة إلى الإستحقاق الرئاسي من دون تدّخل خارجي إيجابي، من شأنه أن يدفع نحو تسوية رئاسية ممكنة وقابلة للحياة، وتلقى تجاوبًا داخليًا.
فكما قبِل لبنان بترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، على رغم ما في هذه الإتفاقية من إجحاف في حقّه بإستثمار كامل ثروته النفطية والغازية من دون أي شريك آخر، كذلك قد يجد اللبنانيون أنفسهم أمام معادلة رئاسية جديدة قد يقبلون بها، ولو على مضض.
ففي إتفاقية الترسيم إضطرّ لبنان للقبول بما عُرض عليه إستنادًا إلى قاعدة ما يمكن أن يُعرض الآن قد لا تتوافر له الظروف نفسها في المستقبل، وأن هذه الإتفاقية هي أفضل الممكن، أو بالأحرى هي أفضل من لا شيء. وفي هذا الأمر تبرير لهذا الإستعجال، الذي لا يمكن فهمه إلاّ من زاوية حاجة أوروبا إلى الغاز الإسرائيلي المعدّ للإستخراج والتسييل تمهيدًا لتصديره لسدّ بعض العجز الناتج عن الحرب الأوكرانية.
أمّا في الملف الرئاسي فإن ما سيُعرض على اللبنانيين اليوم قد لا يُعرض عليهم في المستقبل، ولذلك عليهم أن يقبلوا بما يُقدّم لهم من حلول حتى ولو تكن مثالية، أو حتى ولو لم تكن تلبي طموحاتهم وتطلعاتهم، سواء أكانوا من هذا الفريق أو من ذاك الطرف.
فهذه التسويات، التي يمكن أن تُفرض فرضًا بفعل توافق بعض المصالح الخارجية، هي نتيجة حتمية لـ"الدلع" الداخلي. وهذا ما نشهده كل يوم خميس في جلسات هي أقرب إلى عرض هزلي غير متقن وغير حرفي، فيما المواطنون يعيشون أسوأ الكوابيس الدرامية.
فلولا هذا "الدلع" ووتعاطي بعض النواب مع أهمّ إستحقاق دستوري بهذه الخفّة، لما كان هذا الخارج، أي تكن هويته، وقد يكون متعدّد الجنسيات، يجروء على فعل ما يمكن أن يفعله، في محاولة لتكرار مشهدية ترسيم الحدود، مع ما فيها من إجحاف واضح بحقّ لبنان الطبيعي بكامل ثروته الغازية والنفطية.
لكن هذا التعميم يصبح ضربًا من ضروب "النكد السياسي"، خصوصًا إذا ما أُخذ في الإعتبار أن ما تقوم به فرنسا مع المملكة العربية السعودية، بموافقة فاتيكانية ضمنية، هو لدفع الأمور الرئاسية نحو إنفراجات سريعة، وذلك حرصًا من هذه الدول، التي قدّمت الكثير للبنان، على أن يخرج هذا البلد المعذّب من هاوية عذاباته، التي طالت كثيرًا، خصوصًا أنه لم يعد بمقدور اللبنانيين، على إختلاف إنتماءاتهم السياسية والطائفية، تحمّل أكثر مما تحمّلوا حتى الآن.
فهل تنجح فرنسا في مسعاها، مع العلم أن ثمة كثيرين يقولون إن "الأم الحنون" لم يكن لها ولا مرّة كلمة الفصل في الإنتخابات الرئاسية في لبنان منذ الإستقلال حتى اليوم؟