كتب نقولا ناصيف في "الاخبار": اذا كان مفهوماً ومنطقياً ان يجهر الفريق المناوىء للثنائي الشيعي بمرشحه على الملأ في كل وقت على انه مرشحه الاول والاخير ولن يتخلى عنه، دونما ان يُظهر له في المقابل جدية هذا الدعم بإخراجه من المراوحة مع مَن لم ينضم اليه في الكتل والنواب المستقلين الموزّعين على خيارات اقرب ما تكون الى لاغية، يصبح مفهوماً - وقد لا يكون منطقياً الا لديه - امتناع الثنائي الشيعي وخصوصاً حزب الله الذي يتصرّف على انه قائد الحملة، عن تسمية مرشحه المعلوم وهو سليمان فرنجيه. لذلك اسباب شتى: اولها، تيقنه من ان الساعة الاقليمية غير مطابقة والساعة المحلية على توقيت انتخاب رئيس جديد للبنان قبل السنة الجديدة. اول الشروط التي يتطلبها الحزب في الرئيس المقبل، المتوافرة في مرشحه، ليست كافية للوصول الى انتخابه: لا غالبية الثلثين متوافرة لالتئام الجلسة التي تفترض انضمام كتل اخرى سوى حمَلَة الاوراق البيض، ولا التأييد الخارجي مكتمل بعد. عند حزب الله الاشارة الفرنسية وحدها ايجابية انعكاساً لما كانت عليه مع فرنجيه عام 2015.
ثانيها، بعدما جُرِّبت في المرة الاولى ونجحت وإن باستنزاف طويل، لم يعد وهماً او ضرباً من الخيال او الجنون حتى التأكد من ان معادلة مرشح الحزب او لا احد غير قابلة للعودة الى الحياة مجدداً. من دون اعلان رسمي لا تساور الشكوك احداً في الحزب او القريبين منه او الدائرين في فلكه ان الزعيم الزغرتاوي هو مرشحه الحقيقي والفعلي. لا يحتاج الى اختبار ترشيحه في جلسات الانتخاب اذ يتصرّف على انه المفترض انتخابه على نحو مطابق تماماً لما رافق شغور عامي 2014 - 2016 عندما احجم الحزب، وليس الثنائي، عن الخوض في اي تفكير يجعله يتخلّف عن استمرار دعم الرئيس ميشال عون الى حين انتخابه. لا يواجه فرنجيه اليوم ما اختبره في تشرين الثاني 2015 عندما استجاب رغبة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في التخلي عن ترشيحه لمصلحة عون. في حوزة فرنجيه وقتذاك اصوات الثنائي الشيعي وجنبلاط والرئيس سعد الحريري والنواب حلفاء هؤلاء جميعاً قاربوا 76 صوتاً قبل وصوله الى جلسة الانتخاب. مع ذلك، في حوار مقتضب بينهما في الرابية، تمسّك عون بترشحه وحزب الله الى جانبه، فانكفأ فرنجيه.
ثالثها، ليست قليلة الاثر والفاعلية العقبة التي يمثلها النائب جبران باسيل في رفضه انتخاب فرنجيه. هما حليفان متساويان عند نصرالله تنطبق عليهما المواصفات التي اعلنها لمرشحه. يتقدّم باسيل في ترؤسه الكتلة النيابية الكبرى في البرلمان (نواب تياره وحلفائه) ورئيس احدى الكتلتين الممثلتين للشرعية المسيحية (مع حزب القوات اللبنانية)، بينما لدى فرنجيه كتلة من اربعة نواب فقط. الواقع ان سيئة احدهما فائدة للاخر. والعكس صحيح. فيما احاط باسيل نفسه بأعداء سياسيين شيعة وسنّة ودروزاً ناهيك بنصف المسيحيين في احسن الاحوال، حظ فرنجيه فيهم افضل واكثر استقطاباً لهم. مع ذلك، باسيل ممر الزامي لا يُعْبَر من فوقه ولا من تحته.رابعها، اذا كان ثمة ثمن مفترض يُسدّد الى نصرالله كي يتخلى عن فرنجيه ويسهّل انتخاب الرئيس، مَن يملك في الداخل او الخارج ان يدفعه؟ لا يملكه ايضاً المحسوب انهم المؤثرون في انتخاب الرئيس اللبناني وهم الاميركيون والفرنسيون والسعوديون. البعض الدائر في فلك الحزب يقول: الى الآن لم يقبض ثمن ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل.
وتؤكد مصادر "البناء" أن الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر لن يتوقف في محاولة للتفاهم على الملف الرئاسي، لكن كل الاحتمالات واردة، وقد يذهب الفريقان في نهاية المطاف الى إدارة التباين بينهما حول اسم رئيس تيار المرده سليمان فرنجية لكن لا يؤدي الى خلاف بينهما بل تفاهم على هذا الخلاف. رغم أن الحزب وفق مصادره لا يزال متمسكاً بدعم فرنجية بعكس كل ما يُقال عن تفاوضه على أسماء مرشحين آخرين من تحت الطاولة. ومن المتوقع أن تعقد لقاءات بين الحزب ورئيس التيار النائب جبران باسيل خلال الأيام المقبلة لتقييم المرحلة ودرس لخيارات بموازاة نقاش يجري داخل التيار وتكتل لبنان القوي لحسم الموقف بين الاستمرار بالتصويت بورقة بيضاء أو ترشيح اسم من التيار أو مقرب منه لدفع تهمة التعطيل عنه، في ظل تعدد الآراء داخل التكتل، وهذا ما يعكسه تصويت نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب المتكرر للوزير السابق زياد بارود.
وكانت وسائل إعلام نقلت عن مصادر الحزب نفيها إرسال الثنائي حركة أمل وحزب الله وسيطاً إلى باريس لتأكيد موقفه بالتمسك بفرنجية.
وأكدت أوساط التيار الوطني الحر لـ"البناء" بقاء التيار على موقفه من فرنجية حتى إشعار آخر، وهذا موقف غير خاضع للتفاوض والمقايضة، والحل بالحوار لاختيار اسم آخر يحظى بأوسع توافق، لا سيما على الساحة المسيحية، متسائلة: كيف سيتمّ تأمين الميثاقية المسيحية لأي مرشح لا يحظى بحيثية شعبية مسيحية وازنة؟ مضيفة: منفتحون على النقاش والحوار على رئيس جديد وفق مرتكزات على رأسها استكمال المسار الذي انتهى منه الرئيس ميشال عون لا سيما على صعيد مكافحة الفساد والإصلاحات وإعادة بناء الدولة وأي مرشح لا يلتزم بها سيعيد البلد الى مرحلة ما بعد الطائف وتضيع آخر فرصة وأمل بإنقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً وسياسياً».