كتبت كارين عبد النور في" نداء الوطن": تحدّيان أساسيان يبرزان في ملف النافعة بنظر المتابعين: صمود قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، نقولا منصور، أمام الضغوطات والتدخلات؛ والقدرة على إعادة تفعيل هذا المرفق الحيوي ريثما يكتمل المشهد القضائي فصولاً. ونتكلّم هنا عن مهمة لا يُحسد عليها محافظ بيروت القاضي مروان عبود - تكليفه رئاسة هيئة إدارة السير والآليات والمركبات – والعقيد في قوى الأمن الداخلي علي طه - رئيساً لمصلحة تسجيل السيارات بالتكليف - كبديلين عن هدى سلوم وأيمن عبد الغفور. المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية نازك الخطيب، ضربت بِيَد من حديد خاتمة التحقيق رغم كل التضييقات التي مورست عليها. والقاضي منصور يكمل من بعدها. غير أن مصدراً قضائياً أكّد لـ»نداء الوطن» ممارسة ضغوط هائلة على الأخير لإغلاق الملف. وها هو قد قام يوم البارحة بإبطال محضر تحقيق واحد في الملف وهو ملف سلوم. هل هذه مقدمة لإخلاء سبيل الأخيرة؟ لا نعلم. لكن قرار الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي بيار فرنسيس بتصديق الإبطال أو عدمه، كفيل بالإجابة على ذلك.
وزير داخلية أسبق أشار في اتصال مع «نداء الوطن» إلى ثلاث إدارات لو تمّ ضبطها لما احتاج البلد إلى صندوق النقد الدولي ولا لأي مساعدات خارجية للخروج من حفرته: الدوائر العقارية، مصلحة تسجيل السيارات وإدارة الجمارك. «لكن لسوء الحظ، هل دخل أحدهم إلى إحدى هذه الإدارات ولم يغتنِ؟ فبدلاً من أن تقوم هذه المصالح بتغذية خزينة الدولة، هي تغذّي جيوب الموظفين من دون حسيب أو رقيب، لدرجة أصبح فيها بديهياً الشك بأن هناك جهات سياسية فاعلة توفّر الحماية والدعم»، كما يضيف. وتساءل الوزير الأسبق: «لا أدري كيف أمكن إعادة سلوم إلى مركزها بعد توقيفها سابقاً. كان حرياً تعيين بديل عنها فوراً على غرار ما حصل راهناً. فالوزير بسام مولوي محق بما فعل... وما بقا تظبط غير هيك». ويكمل: «صحيح أن الأنظار متّجهة اليوم إلى مركزي الدكوانة والأوزاعي حصراً، لكن لو تمّ فتح ملف مركزي طرابلس وزحلة بهدف تطبيق القانون بحذافيره، لما بقي أكثر من 2% من الموظفين خارج السجن. السرقة والرشوة معمّمتان خاصة في ظلّ الأوضاع الراهنة حيث يُضطر المواطن إلى «برطلة» الموظف الذي لا يلتحق بدوام عمله سوى يوم أو اثنين أسبوعياً للإسراع في تمرير معاملته». السماسرة أصبحوا يتقاضون أكثر من الدولة، يخبرنا الوزير الأسبق، ولا سبيل لضبط الأمور إلّا برفع المسؤولين أيديهم عن الملف إفساحاً في المجال أمام القضاء ليحكم بعيداً عن التسييس والمحسوبيات.
في حديث مع «نداء الوطن»، شدّد محافظ بيروت القاضي مروان عبود بداية على أن الأولوية هي لإعادة تفعيل العمل في مصلحة السير خدمة للمواطن. «عملنا على تنظيف المبنى وتأهيله ليصبح لائقاً بِمَن سيدخل إليه، كما قمنا بتعيين مراقب عقد نفقات لإنجاز الوظائف الأساسية. وعقدنا اجتماعاً لمجلس الإدارة لبحث خطة سريعة للنهوض بالمؤسسة كما نعمل على إيجاد الوسائل المتاحة لزيادة الاعتماد على المكننة وبالتالي تخفيف الاحتكاك بين المواطنين والموظفين»، كما يشرح.الأمور تُدرَس دون تسرّع وبتأنّ شديد تجنّباً لاتخاذ أي إجراء غير سليم، والكلام لعبود. لكن المعوّقات تحول دون المباشرة بتنفيذ أي منها، إذ تعاني المصلحة من نقص في دفاتر السير حيث الكمية الموجودة تكفي ليومين فقط. أما شركة «انكربت» فما زالت متوقّفة عن الخدمة لعدم تسديد الدولة لمستحقاتها منذ أكثر من ثلاث سنوات. مع العلم أن توسيع نطاق الخدمات يحتاج إلى موازنة غائبة منذ أعوام ما يجعل الواقع السيئ أكثر سوءاً. ألم نَقُل مهمة لا يُحسد عليها أحد.
كيف السبيل إلى تعويض الموظفين الموقوفين حالياً؟ يفيدنا عبود أن العمل جارٍ مع رئيس مجلس الخدمة المدنية لبحث إمكانية الاستفادة من فائض موظفي القطاع العام. لكن بالمقابل، الموظفون الذين لم يتم توقيفهم ما زالوا ممتنعين عن الحضور إلى العمل كونهم لم يتقاضوا رواتبهم، التي لا تتعدى أساساً الـ800 ألف ليرة، منذ أشهر طويلة. لذا تتم دراسة خيارات تأمين الرواتب تلك. وهذا أشبه بحلقة مفرغة. عبود أمل أن يدبّ النشاط تدريجياً في شرايين النافعة خلال أسبوعين كحدّ أقصى. فالتوقّف عن العمل في إدارة السير من شأنه التأثير سلباً على عاملين أساسيين، كما يضيف: الأول مصالح المواطنين كون قطاع السيارات - ومرفق عام السير - هو قطاع كبير يمسّ كل بيت وأسرة. والثاني الخسائر التي يسبّبها التوقّف بالمليارات على صعيد إيرادات الدولة التي تعاني الأمرّين أصلاً. وإذ لفت إلى ضرورة العمل الجدّي على وضع باصات الهبة الفرنسية في السير بعد تخليص معاملاتها العالقة في غياهب البيروقراطية الإدارية، ختم عبود بالقول «العين بصيرة واليد قصيرة». وتبقى العين الأبرز على القضاء وما ستؤول إليه تطورات الملف لأن التجارب السابقة، للأسف، تدعو لكثير من الحذر.