كالعادة، انتهت معارك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى "صفر" نتائج بعدما عادت "حليمة" الى عادتها "القديمة" بافتعال الازمات متى كانت محشورة في "الزواية". ويمكن الحديث هنا على نحو خاص عن معركتين خاضهما بشراسة خلال الايام القليلة الماضية، واحدة ضد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والثانية ضد حليفه الوحيد حزب الله. في الاولى استخدم "سلاح" استنهاض الغرائز الطائفية لتحشيد المواقف من حوله وافتعال حالة استنفار في الشارع المسيحي. وفي الثانية لم يتوان عن رفع شعار المظلومية، متهما الحزب بقلة الوفاء بالعهود، وعدم الصدقية. وفي كلا الجبهتين استخدم الاسلحة "المحرّمة"لتحقيق مكاسب شخصية وذاتية لا تمت الى مصالح المسيحيين وحقوقهم بصلة.
في المواجهة الاولى مع الرئيس ميقاتي، خسر اهم "اسلحته" بعدما زار "خصمه" بكركي شارحا الموقف بكل شفافية ووضوح، وخرج مرتاحا من اللقاء مع البطريرك بشارة الراعي الذي لم يبدو للحظة انه يتبنى اي من شعارات "التيار" حول استهداف المسيحيين، او حتى موقع رئاسة الجمهورية، فغبطة البطريرك يعرف جيدا دوافع وخلفيات رئيس الحكومة، كما يعرف بحكم العلاقة القديمة معه انه ابعد الناس عن خوض مواجهة تحت شعار طائفي، وان كانت له ملاحظات في الشكل لاعتبارات الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد.
ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، فان ما قبل "الانزال" في بكركي شيء وما بعده شيء آخر، فرأس الكنيسة المارونية بات على بينة مما حصل، خصوصا ان من يدعي "المظلومية" ما كان ليعترض على الجلسة الاستثنائية بعناوينها الميعيشية الملحة، لو كان ثمة وئام سياسي وتوافق مع مكونات الحكومة، لكن استراتيجية "النكد" تبقى السلاح الامضى الذي يستخدمه رئيس "التيار" عندما يكون في مأزق. لكنه هذه المرة لم ينجح في استدراج الآخرين اليها، ونجح الرئيس ميقاتي في وضع الامور في نصابها باعتبار ان ما حصل خلاف سياسي بحت يحتمل اجتهادات دستورية، لا معركة طائفية. خسر باسيل اهم اسلحته، لم يحصل على دعم اي من الاحزاب المسيحية الرئيسية، لا القوات اللبنانية، ولا حزب الكتائب، وطبعا ليس تيار المردة، كلها ترفض ان يخوض معاركه السياسية بعنوان الدفاع عن حقوق المسيحيين، والآن باتت بكركي خارج "الحسابات" بعدما حاول تورطيها بمواجهة عبثية من خلال "الحج" اليها مع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون.
اما في معركته الثانية، فقد حاول رئيس التيار الوطني الحر في الشكل الحد من تداعيات "خروجه عن النص" في العلاقة مع حزب الله، ووجّه في اطلالته المتلفزة الاخيرة رسالة ود للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله معتبرا ان له "مكانة خاصة في عقله وقلبه ويفكر به بشكل مختلف عن كل الناس في السياسة في لبنان مشيرا الى ان "كلامه في بيان "التيار" لم يكن موجهاً إلى السيد نصرالله وقصد بالـ"صادقين" حزب الله وليس نصرالله. وفقا لتلك المصادر، ترك هذا الكلام صدى ايجابيا لدى حزب الله باعتباره تراجعا اقله في الشكل عن استهداف السيد نصرالله على نحو مباشر، لكن هذا الكلام لا يبدو كافيا لعودة فتح قنوات الحوار المعتادة بين الطرفين. لماذا؟ لأن باسيل يضع شرطا لاغيا لا توافق عليه قيادة حزب الله، والحديث هنا يرتبط برئاسة الجمهورية. باسيل يعتبر ان صيانة العلاقة واعادة الروح الى تفاهم "مار مخايل"يبدا بفتح "البازار"الرئاسي وكل الامور الاخرى مجرد تفاصيل. وهو يريد من الحزب وضع الاتفاق على تسمية مرشح ثالث بديلا عنه وعن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على "الطاولة" مستندا الى وعد من السيد نصرالله بان لا تحصل انتخابات رئاسية بمعزل عن رضى "التيار".
ووفقا للمعلومات ابلغ الحزب باسيل عن طريق "صديق" مشترك، انه ليس في وارد الدخول بأي مقايضة الآن على ترشيح فرنجية، ولن يقبل اي ضغوط في هذا الاتجاه، واي محاولة "لراب الصدع" لن يكون على جدول اعمالها هذا البند. فاذا اراد باسيل لقاء رئيس وحدة الارتباط وفيق صفا، تمهيدا لخطوات لاحقة، فلن يرفض الحزب ذلك، الا ان اي لقاء لن يكون بشروطه، وهو امر سيحصل عاجلا او آجلا.