تابع اللبنانيون امس حلقة جديدة من مسلسل «جنون الدولار»، فبعد أسبوع من الارتفاع القياسي ملامساً الـ48 ألف ليرة للدولار الواحد، دخل مصرف لبنان مجدداً على خط لجم العملة الخضراء، عبر تعميم أتاح بموجبه لجميع الأفراد والمؤسسات شراء الدولار عبر منصة صيرفة من دون حدود مع رفع صيرفة الى 38 ألف ليرة، ما أدى الى انخفاض السعر تدريجياً خلال ساعة واحدة الى حدود الـ42 ألف ليرة.
وجاء في افتتاحية" النهار":تمركزت الأنظار في الساعات الأخيرة على " معركة" تدخل مصرف لبنان في الازمة المتصاعدة التي دفعت بسعر الدولار الى سقوف مخيفة ناهزت سقف الـ 48 الف ليرة محدثا ذعرا واسعا على وقع اشتعال الأسعار الاستهلاكية كافة ربطا بهذا الجنون. وغداة عطلة الميلاد، عمد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى التدخل عبر بيان انعكس فرملة فورية لسعر الصرف متسببا بتدحرجه من مستوى لامس الخمسين الفا الى ما دون الـ42 الف ليرة، مقابل اجراء معاكس ترجم برفع سعر دولار منصة صيرفة الى 38 الف ليرة، ولكن الاجراء الأخير سيتسبب بارتفاعات كبيرة للفواتير الكهربائية والهاتفية وبطاقات تعبئة الهواتف الخليوية .
وفي تطور لافت ينبئ بمواجهة دارت خلف الكواليس المالية، اصدر سلامة بيانين متلاحقين، اعلن في الأول منهما ان ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي خلال فترة الأعياد والتي امتدت لمدة ثلاثة ايام 2000 ليرة في السوق الموازية، "ناتج عن عمليات مضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود. هذا الارتفاع سبّب تضخماً في الأسواق مما أضرّ بالمواطن اللبناني كون الأسعار في لبنان ترتبط بسعر صرف الدولار". واعلن تاليا رفع سعر "صيرفة" ليصل إلى 38 الف ليرة على ان "يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر 38 الفا ويمكن للأفراد والمؤسسات ومن دون حدود بالأرقام، أن يتقدموا من جميع المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات". وفي البيان الثاني، أكد سلامة البيان الصادر سابقًا وأن"ليس من شروط متعلقة بتنفيذ هذه العمليات والتي ستنفذ تلقائيًا حينما تتقدم المصارف اللبنانية من مصرف لبنان بالليرات اللبنانية وسيسلمها فورًا بالمقابل الدولارات" وأعلن أن "مصرف لبنان سيمدّد ساعات العمل بما يتعلق بالعمليات المذكورة حتى الساعة الخامسة مساءً من كل يوم عمل، وذلك حتى 31 كانون الثاني 2023".وعلى اثر صدور هذين البيانين سجل سعر الدولار تراجعاً كبيراً تجاوز الـ5 آلاف ليرة .
وإذ اعتبر اجراء مصرف لبنان اعنف رد على المضاربات اكدت مصادر مطلعة أن لدى مصرف لبنان قدرة على التدخل في السوق بين 500 مليون دولار ومليار دولار، وإذ توقعت أن ينخفض يعر صرل الدولار اقله الى نحو 40 ألف ليرة، ليتقلص الفارق مع سعر صيرفة، شددت على ضرورة تنفيذ قرار الحاكم بطريقة تمنع اي استغلال، فيما علم ان مصرف لبنان سيعمم على المصارف اجراءات تنظيمية منعا من استغلال القرار خصوصا وأنه سيكون متاحا للجميع ومن دون حدود بعدما كان مصرف لبنان يسمح للأفراد فقط بشراء 400 دولار شهريا كحد أقصى من المصارف.
وكتبت" البناء": أشار خبراء اقتصاديون لـ»البناء» الى أن سبب ارتفاع سعر صرف الدولار يعود الى الكميات الهائلة التي طبعها مصرف لبنان لتلبية حاجات إنفاق الدولة من رواتب الموظفين وموازنات بعض الوزارات الحيوية، اضافة الى سلفة الكهرباء. اضافة الى الأزمة السياسية وانسداد أفق التسوية الرئاسية وتجميد عمل الحكومة وكل القوانين الإصلاحية، فضلاً عن مضاربات كبار التجار والصرافين الشرعيين وفي السوق السوداء، كما لا يمكن تجاهل أحد العوامل الاساسية لارتفاع الدولار هو تسهيل مصرف لبنان هذا الارتفاع لكي يسحب تدفقات الدولار من المغتربين والسياح خلال الأعياد، ثم يعمد الى خفضه بتعاميم غب الطلب ليعود لاحقاً الى لمّه وشرائه على سعر منخفض ثم بيعه على سعر مرتفع لاحقاً ما يحقق بعمليات الصعود والهبوط المتكررة أرباحاً طائلة.وأحدث قرار سلامة صدمة في أسواق الصرف والاستهلاك وإرباكاً كبيراً للصرافين الذين امتنع بعضهم عن بيع وشراء الدولار، كما تعطّلت العديد من تطبيقات الدولار، فيما شهدت منطقة شتورا إشكالاً كبيراً بين الصرافين الجوالين على الطرقات.
وكتبت" الاخبار": مع رفع المصرف المركزي سعر «صيرفة» بنحو 22% (6800 ليرة) بشحطة قلم، ارتفعت أسعار هذه الخدمات أيضاً. على سبيل المثال، زاد أمس سعر بطاقة «التشريج» المسبقة الدفع المسعّرة بـ 7.58 دولارات، في غضون دقائق، من 263 ألف ليرة إلى 321 ألفاً. كذلك ارتفع بشكل تلقائي سعر الكيلواط المنتج من مؤسسة كهرباء لبنان. إذ إن التعديل الأخير الذي رفع تعرفة الكهرباء سعّر كل كيلواط ساعة بـ 10 سنتات لأوّل 100 كيلواط/ ساعة، و27 سنتاً لما يفوقها. وقد احتُسبت هذه التسعيرة على أساس سعر المنصة (30 ألف ليرة للدولار حين رفع التعرفة)، ما يعني أيضاً زيادة في سعر الكيلواط بنسبة 22%، علماً أن هذا الارتفاع لن يلمسه المستهلكون بشكل مباشر، إذ إن الفواتير المسعّرة على أساس سعر 30 ألف ليرة لكل دولار لم تصلهم بعد ليشعروا بالفرق الذي أحدثه قرار المركزي.كذلك، ستتأثر بعض الرسوم التي تُستوفى على أساس سعر صيرفة، مثل رسم الطابع المالي الذي أصبح يُحتسب على أساس سعر صيرفة منذ 15 تشرين الثاني الماضي.
أما أكثر التأثيرات الملموسة فهي تلك التي ستنعكس على مداخيل موظفي القطاع العام. إذ استفاد هؤلاء، على مدى شهور، من التعميم 161 الذي أصدره المصرف المركزي نهاية عام 2021، وقضى بإلزام المصارف صرف دولارات نقدية للموظفين على أساس سعر صرف منصّة «صيرفة» مقابل قيمة رواتبهم، وما يسحبونه من حساباتهم وفق السقوف غير الشرعية للمصارف. وقد أفاد هؤلاء من الفارق بين سعر «صيرفة» وسعر الصرف في السوق. ولكن مع رفع سعر المنصّة، تقلّص الفارق بين السعرين ما يعني تراجع «الربح» الذي كانوا يجنونه من هذه العملية، وبالتالي مزيداً من التآكل في قدراتهم الشرائية بعدما كانت العملية تسدّ جزءاً بسيطاً من احتياجات هؤلاء.منذ بداية الأزمة، ومع استنفاد «المركزي» لاحتياطاته بالعملات الأجنبية، لم يعد هذا الأخير قادراً على التدخّل بشكل فعّال في سوق سعر الصرف، أي عبر ضخ الدولارات لزيادة العرض مقابل الطلب، وبالتالي تخفيض سعر الصرف أو المحافظة عليه عند مستوى معيّن. إذ أصبح هامش المناورة لديه في هذا الجانب ضيقاً جداً، بمعنى أنه لم يعد قادراً على التدخّل بكميات كبيرة. لذا، بدأ المصرف اتباع أساليب تتخطّى التدخّل المباشر في السوق، حتى أصبح تأثيره مقتصراً على التوجّه إلى سلوك الأفراد والمؤسسات في السوق. وقد كانت منصة «صيرفة» إحدى الأدوات لديه لفعل ذلك، من دون الاكتراث لتأثيرات استخدامها على أسعار السلع والخدمات.