كتبت كلير شكر في" نداء الوطن": استضاف أمس رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل وفد «الحزب» في لقاء في مكتبه في مركزية «التيار» في ميرنا الشالوحي، حيث بدت مشهدية الجلسة من خلال الصورة التي رصدتها الكاميرات، خير معبّر عن فحوى الاجتماع. في مكتب مطلي باللون الأبيض، تكاد تكون فيه زجاجة الماء، الديكور الوحيد الذي يجمّله... بدا الجفاء ظاهراً للعلن. وكأنّ باسيل تقصّد إظهار حالة التقشّف هذه، سواء على مستوى حالته الاجتماعية كتيّار، أم على مستوى تفاهم مار مخايل.
كلّ مظاهر الصورة تقود إلى استنتاج وحيد: برودة في العلاقة والمسافة الفاصلة بعيدة. وبالفعل، فقد تبيّن وفق المعلومات أن اللقاء انتهى إلى «لا اتفاق» حول المسائل الثلاث التي أثيرت: الرئاسة، الحكومة وتفاهم مار مخايل.في الواقع، حتى لو لم يتحكّم «حزب الله» بتوقيت اللقاءين، فهو استفاد من ترتيبهما، لتكون الجلسة في كليمنصو سابقة للجلسة في ميرنا الشالوحي، على قاعدة «اذا ما ظبطت مع الأول، لازم تظبط مع الثاني». وفي كلا اللقاءين كان الاستحقاق الرئاسي هو الطبق الأساس. وسليمان فرنجية هو المرشّح الأساس.حتى لو لم يعلنها، لاعتبارات تتصل بحرصه على عدم إلصاق مرشحه بتهمة أنّه «مرشح حزب الله»، فإنّ سليمان فرنجية هو الماروني الذي يسعى «الحزب» إلى ايصاله إلى بعبدا. أقلّه إلى الآن، أو إلى أن يقول فرنجية غير ذلك.
وكتب نقولا ناصيف في"الاخبار": دوافع العودة إلى الحوار بين الحليفين السابقين، فتكمن في بضعة أسباب منها سبب يُنظر إليه على أنه جوهري في حسبان حزب الله يدفعه أكثر من أي وقت مضى إلى ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية دونما أن يكون لديه، الآن وفي ما بعد على الأقل في ما يجهر به مسؤولو الحزب، بديل منه. غالب الظن أن الحليفين الأكثر وثوقاً للحزب لدعم كليهما للرئاسة هما فرنجية وباسيل. بعد الأزمة الأخيرة مع التيار ونبرة رئيسه في الموجة الأولى من انتقاده الحزب وأمينه العام ثم توالي المآخذ والاعتراضات والتمسك برفض كل ما يقول به الحزب، صار حتمياً أن يبعث ما حصل شكوك أحدهما في الآخر.
الأهم شكوك الحزب في التيار.
ليست قليلة الأهمية الدوافع التي باتت تحمل حزب الله على التشبث بترشيح فرنجية من دون أن يجهر بأنه مرشحه، والواقع أنه في أي من الأوقات التالية لن يسميه وسيحاول الذهاب إلى جلسة انتخابه وتمكينه من الفوز من دون أن يكون مرشحه العلني. بدوره فرنجية يوافق على هذا الأداء ويتفق مع الحزب على تفادي استعادة الشعار الذي أربك حزب الله أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، بنعت الحكومات المؤلفة أنها «حكومات حزب الله». ذلك ما حدث لأولى حكومات ميقاتي عام 2011 ولحكومتي الرئيس سعد الحريري عامي 2016 و2019 ولحكومة الرئيس حسان دياب عام 2020 وأخيراً للحكومة الحالية لميقاتي منذ عام 2021.ليس تمسك حزب الله بترشيح فرنجية سوى أحد تداعيات الانتخابات النيابية العام المنصرم، وكان المُعوَّل أن تمنحه باستفاضة الغالبية المطلقة على الأقل. لأن البرلمان الحالي مشتت على كتل بعضها كبير وأخرى صغيرة يصعب نشوء ائتلافات من داخله تمكن السمك الكبير من ابتلاع السمك الصغير على نحو برلمانات الحقبة السورية، تتعذر السيطرة على مجلس النواب وعلى أكثرياته الموصوفة والعادية.
وقد يصعب على الحزب أيضاً القبض على حكومة تنبثق من المجلس ويُرغم من ثم على مجاراتها والتسليم بها كواقع قبوله بترؤس ميقاتي حكومة 2021 بعد انسحاب الحريري قبل أن يفاقم الأخير المأزق السنّي باعتزاله. وحده رئيس الجمهورية المأمون الجانب يمسي عندئذ ضمانه.
البعض القريب من الحزب يسرد كل ما لم يعد يملكه في الدولة العميقة للبنان في المرحلة الحاضرة: لا مجلس النواب ولا قائد الجيش ولا مدير المخابرات ولا حاكم مصرف لبنان ولا رئيس مجلس القضاء الأعلى ولا المدير العام لقوى الأمن الداخلي ولا رئيس فرع المعلومات. كذلك لا رئيس الحكومة وأخيراً لا رئيس الجمهورية.ما عساه إذذاك، سوى السلاح الذي يصعب الاحتكام إليه في كل حين، أن يفعل ويكون؟