صحيح أنّ الهجوم على "حزب الله" شكّل العنوان الأساس لمؤتمر حزب "الكتائب"، بدءًا من كلمة رئيسه النائب سامي الجميل الذي أعيد انتخابه بأغلبية ساحقة إلا أنّ خطاب الأخير "الافتتاحي" لم يَخلُ من موقف "نوعيّ" يرتبط باستحقاق رئاسة الجمهورية، لوّح فيه بـ"تعطيل" الانتخابات الرئاسية في حال قرّر "حزب الله" وحلفاؤه إيصال رئيس "يغطّي سلاحه لستّ سنوات أخرى"، وفق تعبيره.
ومع أنّ أسلوب "التعطيل" لا يبدو منسجمًا مع مسيرة حزب "الكتائب"، الذي سبق أن وصفه بـ"البدعة" قبل أكثر من ستّ سنوات، حين اعتبره "حزب الله" وسيلة "مشروعة" لضمان إيصال مرشحه، والذي أيّد على سبيل المثال لا الحصر اعتصام نواب "التغيير" المفتوح في البرلمان حتى انتخاب رئيس، إلا أنّ الجميل "برّر" اللجوء إليه، بالإيحاء بأنّ الضرورة "تبيح" مواجهة "حزب الله" باستخدام أساليبه، باستثناء الانجرار إلى "لعبة السلاح".
إلا أنّ كلام الجميل بدا في مكانٍ ما "متناقضًا" مع ما تقوله قوى معارضة أخرى، صُنّفت في خانة "المُحرَجة" ممّا ذهب إليه، بما فيها "القوات اللبنانية" التي قال رئيسها سمير جعجع مرارًا أنّه لن يعمد إلى "التعطيل" سوى لبضع جلسات في أحسن الأحوال، قبل أن "يرضخ" للأمر الواقع، علمًا أنّ "الكتائب" تعلم قبل غيرها، أنّها لن تستطيع "وحيدة" تطبيق سيناريو "التعطيل"، إذا لم تنسّق مثل هذه الخطوة، مع سائر قوى المعارضة.
"تحفّظات معارضة"
في وقتٍ لم يصدر أيّ ردّ فعل على ما قاله الجميل، من قبل خصوم "الكتائب"، وتحديدًا "حزب الله"، فإنّ العارفين بأدبيّاته يلمّحون إلى أنّ الأخير "يرحّب" بموقف "الشيخ سامي" ولا ينزعج منه، إذ من شأنه أن يعطي "مشروعية" لفكرة تعطيل النصاب باعتباره "وسيلة ديمقراطية مشروعة"، علمًا أنّ الأمين العام للحزب أقرّ في أكثر من مناسبة، بقدرة خصومه على اللجوء إلى هذه "الحيلة"، وهو لذلك يدعو باستمرار إلى التوافق، كمعبَر إلزامي لإنجاز الاستحقاق.
لكنّ هؤلاء يقلّلون من شأن ما قاله الجميل، طالما أنّ الواضح أنّه "غير منسَّق" مع باقي قوى المعارضة، أو بالحدّ الأدنى مع القوى التي "يفترض" أنّها تتموضع في معسكر المعارضة، وعلى رأس هؤلاء الأطراف "الحزب التقدمي الاشتراكي" الناشط هذه الأيام في سبيل الوصول إلى تفاهم، والذي تقول أوساطه إن مساره التاريخي لا يتناغم مع التعطيل، وإنّه حين أراد "تعليق" حضور الجلسات، فأراد ذلك من منطلق "تصويب البوصلة"، لا "التعطيل".
وعلى هوى "الاشتراكي"، يسير العديد من النواب "التغييريين"، وحتى المستقلين، ولو أن وجهات النظر تتفاوت بين هؤلاء، فالكثير منهم يعلنون صراحةً أنّ الدستور "يوجب عليهم" حضور الجلسات، بمعزل عن نتيجة العملية الديمقراطية، علمًا أنّ أحدًا لا يستطيع أن يبرّر مثلاً القيام باعتصام "مفتوح" لأسابيع، تطبيقًا للدستور، ومن ثمّ مقاطعة أيّ جلسة، بدعوى أنّ النتيجة التي ستفرزها، ستكون لصالح فريق "حزب الله"، على سبيل المثال لا الحصر.
ماذا عن موقف "القوات"؟!
أبعد ممّا سبق، ثمّة من قرأ في مواقف رئيس حزب "الكتائب" رسالة "ضمنية" إلى رئيس حزب "القوات اللبنانية" تحديدًا، باعتبار أنّ الأخير يعمد منذ أسابيع إلى رسم "استراتيجية" لا تعترف بـ"التعطيل"، سوى كـ"تكتيك" محدود زمنيًا بجلسة أو اثنين، أو ثلاث في الحدّ الأقصى، كمحاولة لـ"اختراق" صفوف حلفاء "حزب الله"، وإلا فسيحترم الحزب أصول اللعبة الديمقراطية، ويؤمّن النصاب، ليبني على الشيء مقتضاه بعد ذلك.
وفيما اعتبر كثيرون، انطلاقًا مما سبق، أنّ الجميل "أحرج" جعجع بصورة أو بأخرى، تعتبر أوساط قريبة من "القوات" أنّ تصوير الأمور بهذا الشكل "غير واقعي"، أولاً لأنّ "الفرضية" المثارة، لجهة قدرة "حزب الله" على إيصال مرشح لا يتوافق عليه الجميع، غير واقعية، إذ إنّه لا يمتلك 65 صوتًا، خصوصًا مع افتراقه عن "التيار الوطني الحر"، علمًا أنّ الحديث عن تصويت نواب مستقلين معه، لا يبدو "منطقيًا" هو الآخر.
وتشير هذه الأوساط إلى أنّه في حال افترضنا أنّ الحزب كان قادرًا رغم ذلك على "اختراق" المعارضة، للوصول إلى نسبة الـ65 صوتًا التي يحتاجها، لإيصال رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أو غيره، تصبح كل الخيارات مفتوحة، علمًا أنّ من يلومون جعجع على قوله بعدم التعطيل، لم يسمعوا كل ما قاله، حيث دعا أيضًا إلى "إعادة النظر بكل التركيبة القائمة"، في حال كرّس "حزب الله" سيطرته مرّة أخرى من بوابة الاستحقاق الرئاسي.
صحيح أنّ المعارضة لا تبدو "موحّدة" في "نيّة" التعطيل، ما يجعل خطوة رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل، ناقصة، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ النقاش الدائر يؤكد مرّة أخرى أنّ الطريق الوحيد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي يمرّ "إجباريًا" بمعبر التوافق والتفاهم، لأنّ "المكابرة" لن تجدي نفعًا، في ظلّ التركيبة النيابية القائمة، ولعلّ مبادرة "الحزب التقدمي الاشتراكي" تنطلق من هذه الزاوية بالتحديد..