لم يكن،مثل الاجتماعات السابقة،الاجتماع الذي عقدته جمعية المصارف وما صدر عنه من بيان وإجراءات بدأت بإضراب مفتوح (غير مُعلن). إذ إن إعلان الإضراب المفتوح مع ما لذلك من تداعيات على المودعين وعلى النشاط الاقتصادي، يخفي خلفه مواجهة من نوع جديد، علماً أن بيان الاثنين تضمَّن استمرار المصارف بتأمين الخدمات الأساسية لزبائنها عبر ماكينات الصرف الآلي، وركز على اهمية بدء العملية الإصلاحية وإقرار مشاريع القوانين المتعلّقة بالقطاع المصرفي، من الـ(كابيتال كونترول) وإعادة هيكلة المصارف وإعادة التوازن إلى القطاع المالي، وعدم ربطها ببعضها. واعتبر ان إلزام المصارف بالتعامل النقدي، فضلا عن انه يجعلها في استحالة مكافحة تبييض الأموال مما يخرجها من النظام المصرفي العالمي، يفرض توفر مبالغ نقدية هائلة لا توجد حتى لدى أكبر المصارف في العالم، في وقت أن إمدادها بالمبالغ النقدية من قبل مدينيها وعلى رأسهم الدولة اللبنانية ومصرف لبنان، غير متوفر أو مقيّد حتى بالليرة اللبنانية.
حتى الساعة يبدو أن لا حلول للنقاط العالقة لا سيما أن ثمة ملاحقات قضائية غير مبررة ومستغربة يتعرض لها مسؤولو ومديرو وموظفو القطاع المصرفي وتحمل الكثير من التساؤلات وتثير الريبة حيث تم طلب رفع السرية المصرفية عن نحو 500 شخص بينهم رؤساء مجالس إدارة ومدراء عامون ومدراء تنفيذيون يعملون في عدة مصارف، من دون ان تكون هناك شبهة عليهم.
وعليه، قد تتجه المصارف الى الانتقال من الاقفال الجزئي المنظّم الذي بدأته الثلاثاء الى الاقفال التام ، الارجح منتصف الاسبوع المقبل، او بداية الاسبوع الذي يليه، وهذا يعني عملياً، وقف عمل ماكينات السحب "ATM"، وكل الخدمات المالية للافراد، بما فيها سحب الاموال وقبض الرواتب وسواها من الخدمات الضرورية،ووقف العمل مع الشركات، ووقف فتح الاعتمادات للاستيراد.
مرجع اقتصادي ومالي مُطّلع صرّح ل "لبنان 24" أن اضراب جمعية المصارف هذه المرّة مُختلف عن باقي المرّات، فالمصارف وفي بيانها الصادر عن الاجتماع، وجّهت تهديدات مُبطّنة إلى المسؤولين (بما فيهم سياسيون وقضاة وغيرهم) بطريقة غير مسبوقة.
ويُضيف المرجع، رسائل عدّة وجّهتها المصارف وعلى رأسها أن عدم الإعتراف بالشيك كوسيلة دفع يعني أن تسديد القروض المصرفية لن تُقبل بعد اليوم بالشيك وهو ما سيؤدّي حكمًا إلى تعقيدات ستتخطّى قدرة القضاء والمسؤولين على حلّها.
ويقول المرجع، أخطر ما ورد في بيان جمعية المصارف هما النقطتان (2) و(6)، فالنقطة الثانية تُحمّل مسؤولية التعامل بالكاش للسلطات السياسية والقضائية وبالتالي تُرفع عن نفسها – أية مسؤولية في عمليات تبييض الأموال أمام السلطات المالية الدولية.
أما النقطة السادسة فهي تهديد مبطّن للمعنيين في ما يخصّ حساباتهم المصرفية، حيث تُطالب المصارف برفع السرية المصرفية بمفعول رجعي عن كل الحسابات وهو ما يضع السياسيين والقضاة والأمنيين والتجار تحت أحكام القانون 44/2015 والذي يُصنّف في مادتيه الأولى والثانية الأموال غير المشروعة وعلى رأسها الفساد والتهرّب الضريبي وإستغلال النفوذ وغيرها.
المرجع وضع بيان المصارف في خانة المواجهة بين جهتين:
- الأولى وتتضمّن سياسيين وقضاة وجمعيات مودعين (لا تُمثّل في الواقع إلا عددا قليلا من المودعين) يعملون ضدّ المصارف.
- الثانية وتتضمّن المصارف وبعض السياسيين وبعض القضاة.
ويضيف المصدر ما تقوم به المصارف يمثل دعوة للدولة للعمل على خلق رؤية متكاملة لحل الازمة تمهيدا لتنظيم العلاقة بين المودعين والمصارف، ولذلك فإن، التوقّعات أن يتوقف الإضراب مطلع الأسبوع المُقبل ربطا بالاتصالات بين المسؤولين والمصارف يبقى بحسب المرجع، رهن بوقف القرارات القضائية. اما، أذا لم تصل هذه الاتصالات إلى نتيجة، فمن المتوقّع أن يستمر الإضراب مع ما لذلك من تداعيات على النشاط الاقتصادي خصوصًا حركة الإستيراد والتي ستنعكس على الشارع نقصًا في السلع والبضائع وإرتفاعًا في أسعارها.
مما سبق، نرى أن المُتضرّر الأول من هذا الإشتباك هو المودع والمواطن عامة. وبالتالي هل سيتمّ حلّ هذه المُشكلة وتفادي اي تطوّرات سلبية؟ حتى الساعة الامور ليست واضحة، لا سيما وان حيثيات قرار جمعية المصارف متداخلة وتتصل في جزء منها، ببعض القرارات والاستدعاءات القضائية الأخيرة.