لقد سبق أن قلنا، ولأكثر من مرّة، إن رئيس "التيار الوطني الحر" السيد جبران باسيل "يتلذّذ" في مخاصمة الجميع دفعة واحدة، وهو يستطيب "العزلة"، وأن يكون مكروهًا من جميع الذين يعاديهم مجانًا، أو الذين لا يماشونه في ما يخطّط له منذ اللحظة الأولى، التي وطأت فيها قدماه قصر بعبدا متخفّيًا بجلباب عمّه، وهو أن يكون الوريث الشرعي والطبيعي للرئيس ميشال عون، تمامًا كما ورثه في رئاسة "التيار" في مسرحية سمّاه بعض "العونيين"، الذين كان من حقّهم الطبيعي أن يترشحّوا ضده، "مراسم دفن الديمقراطية" عكس ما سمّاها باسيل ومن معه "عرس الديمقراطية". وبذلك أضاف "الصهر" على سجله خصومات جديدة غير الخصومات القديمة، وبالأخصّ عندما زرع الفرقة داخل "البيت العوني" الواحد.
لم يكتفِ جبران في زعزعة أسس "البيت العوني"، والاستئثار بكل التعيينات التي استفاد منها طوال وجوده في القصر الجمهوري، كرئيس رديف أو رئيس ظلّ، بل حاول مدّ يده إلى صحن الآخرين، ليتمكّن من أن يغرف منه ما ليس من حقّه، وهو بهذا التطاول غير المبرّر وغير المنطقي حاول ويحاول أن يغطّي أخطاء الماضي بأخرى أكثر فداحة . وفي كل مرّة يجرّب أن يخرج من الحفرة، التي أوجد نفسه فيها، عبر حركات غير منظمّة ، نراه يغرق أكثر فأكثر.
هو على استعداد لأن يعادي الجميع، وبالأخص الذين أمنّوا له على مدى سنوات حيثية نيابية وازنة، لمجرد أنهم قالوا له الحقيقة كما هي لا زيادة ولا نقصان: أداؤك لا يشجعّ كثيرًا على أن تكون رئيسًا للجمهورية، ولأنهم قالوا له "بدّك تسمحلنا فيها هذه المرّة"، أو بما معناه من جرّب المجرّب كان عقله مخربًا، أو أيضًا وأيضًا أن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين فكم بالحري ثلاثًا ومئة وألفًا.
كان يعتقد واهمًا أن الحكومة، التي يسمّيها بتراء، لن تتمكّن من عقد جلسات لها، وكان يعتقد أنه قادر بأساليبه على أن يغشّ الجميع طيلة الوقت، ليكتشف أن الذين كان يراهن عليهم لنسف الحكومة من الداخل لم يجاروه بعدما تبيّن لهم بالعين المجرّدة ما يرمي إليه. ولأن "الحكومة البتراء"، كما يحلو له تسميتها، استطاعت أن تتخذ أكثر من خطوة للتخفيف قدر الإمكان من عذابات الناس، وصف اجتماعاتها بـ "الفولكلورية"، والتي اتهمها في الوقت نفسه، وقبل أسطر قليلة من بيان تياره، بـ "التقاعس بالقيام بواجباتها وترك الناس يواجهون الأوضاع كأنها قدر محتوم، فيما تتفرج الحكومة على غليان الشارع وكأنها غير معنية".
فلو سألنا ابن "البيبي روز" عن هذا التناقض الفاضح بين سطر وآخر في بيان واحد كان يُفترض به أن يكون "مبكّلًا" ومدروسًا أكثر، لوصف لنا هذه الظاهرة ببراءة الأطفال بلعبة "أنا أعمى ما بشوف أنا ضراب السيوف"، أو ما يقوله من درس شعر زهير بن أبي سلمى أنه "خبط عشواء"، أو هزيان من أصابته "ضربة شمس.
لم يكتفِ جبران بالتطاول على الأحياء، الذين ما خلّوه، بل ذهب ينبش عما في ماضي القبور، فطلع معه تعبير "الرئاسة على الدبابات الإسرائيلية"، في تشبيه قد يكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر بعير العلاقة المتوترة بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، والتي وصفها السيد حسن نصرالله في آخر اطلالة له بأنها في وضع حرج، وهو تعبير ملطف لكلمة "النزاع الأخير" في التوصيف الطبي.
فالذي يعرف ماذا يريد جبران باسيل بالضبط فليرشد جميع الذين يجمعون على اعتبار أنه يأتي في طليعة الذين يعطّلون انتخاب رئيس للجمهورية، وفي طليعة الذين يحاول عن عبث وضع العصي في دواليب الحكومة، ويحاولون متشاطرين رفض جلسات تشريع الضرورة، ويأتي في طليعة الذين لا يتركون احدا له حظوظ رئاسية إلا ويهاجمونه.
لم ير أحدًا من الأحياء يعيره أي اهتمام فذهب إلى القبور، عسى ألا يرى "منامات وحشة".