سادت انطباعات وأجواء في البلد في الايام الماضية في اعقاب اللقاء الخماسي في باريس على أن الاعتراض على انتخاب رئيس "تيار المرده"سليمان فرنجية محصور بالموقف السعودي وأن الموقف الاميركي يتسم بعدم الاكتراث وعدم وجود فيتو في الوقت نفسه على فرنجية، في حين أن الموقف الفرنسي لا يمانع مجيء فرنجية في اطار تفاهم يطال الحكومة، فالحل للبنان بالنسبة إلى فرنسا يتمثل بانتخاب رئيس يجمع جميع الاطراف وتشكيل حكومة فاعلة تباشر العمل وتنفيذ الاصلاحات التي تتيح لصندوق النقد الدولي بالتدخل لدعم الوضع الاقتصادي اللبناني.
في المقابل، ثمة معلومات أخرى تعتبر أن هذه الانطباعات والأجواء غير دقيقة وتحديدا من ناحية الموقف الاميركي، اذ تنقل مصادر مطلعة على الأجواء الأميركية تصورا مختلفا عن الموقف الأميركي المتداول، مفاده أن واشنطن لا توافق على مجيء فرنجية وازداد هذا الموقف وضوحا مع التطورات على الساحة الدولية من زاوية التصعيد في المواجهة مع الروس في أوكرانيا، اذ تعبّر ، كما تنقل هذه المصادر، عن عدم استعداد أميركي لتسهيل انتخاب رئيس يحسب في خانة المؤيدين لروسيا وعلى صداقة متينة مع حلفائها من السوريين او المحسوبين على حزب الله.
لهذا لا يمانع الأميركي باستمرار حالة الستاتيكو التي يمر بها الوضع اللبناني في ظل عدم إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ويمكن لاستمرار حالة التآكل في الوضع اللبناني أن تشكل ظرفا ضاغطا للذين يقفون في المحور المناوئ لأميركا وحلفائها. وإذا ما صحت هذه المعلومات فإن ذلك يعني أن الفراغ الرئاسي مستمر الى امد غير معلوم.
تكمن المفارقة في ان كلا الطرفين (الاميركيون وحلفاؤهم والايرانيون وحلفاؤهم) يتعاطيان مع حالة الفراغ وإطالة أمد المعالجة بوصفها ظرفا ظاغطا على الطرف الاخر، أي أن الكباش الدائر هو لعبة عض أصابع تنتظر من يصرخ اولاً ويفتح باب التبدل في المواقف من ناحية الاستعداد للموافقة على خيار توافقي لا يمكن لأي من الطرفين ان يصنفه في خانته.
لا يخفى أن حالة الانتظار الطويلة هذه تنطوي على مخاطر وتحمل في ثناياها مخاطرة بلوغ الفوضى المفاجئة، علما أن كلا الطرفين يخشيان الفوضى أولا، لأن الفوضى حالة غير قابلة للضبط، وثانيا لأنها تضع الأحزاب في احتمال العجز عن ضبط الشارع والبيئات الاجتماعية التي تستند اليها. ومن زاوية الاميركيين يرى كثير من المراقبين أن حزب الله هو الطرف الاقوى في إدارة مصالحه ومواجهة اخصامه في حالة الفوضى.
هذه الاحتمالات تتزامن مع معلومات اميركية اخرى تتحدث عن قيام الاميركيين بإعادة تقويم برنامج المساعدات الأميركي للبنان ، اي المساعدات الانسانية وتلك التي تطال القوى الامنية والعسكرية، لتبين النتائج التي ترتبت عليها لغاية الان، ما اذا كانت اسهمت في تشكيل ارضية ملائمة لتعزيز السياسات الاميركية تجاه لبنان. وهذا يعني أن ما ينقل عن موقف اميركي غير مكترث انما هو في حقيقة الامر قيد المراجعة والتقويم قبل أن يتبلور بصورة واضحة.وتجدر الإشارة إلى أن وفد مساعدي أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين الديموقراطي والجمهوري الذي زار لبنان كانت مهمته استقصائية امنية مالية محورها المساعدات الأميركية للجيش والأجهزة الأمنية، اضافة الى التحديات التي يواجهها لبنان، حيث حمل معه تقريرا سيحضر في جلسة وضع الميزانية الأميركية التي تقرها واشنطن في تشرين الاول للعام 2024.
أما من ناحية ما نقل عن الموقف الفرنسي من استعداده للقبول بفرنجية للرئاسة والسفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، يبدو انه مجرد جس نبض لمعرفة ما إذا كان هناك امكانية محتملة لاعتماد هذا السيناريو أكثر مما يشكل قناعة فرنسية نهائية أن باريس في ما لو تبين لها أن هذا الاحتمال واقعي ويملك قابلية أن يتحول إلى مخرج في حالة الانسداد القائمة يمكن ساعتئذ أن يشكل مادة للبحث بهدف التفاهم حولها مع الفرقاء الدوليين المعنيين بالازمة اللبنانية.