على الرغم من جراحاته الكثيرة يشكل دير مار جرجس في بلدة عشاش في قضاء زغرتا جسر تواصل بين قضائي زغرتا والضنية، ومنه غالبا ما تنطلق رسائل الأخوة لتلاقي صلوات المآذن في بلدة مرياطة المجاورة له، فيقدمان معاً نموذجاً حقيقياً عن طيّ صفحة الحرب والانطلاق نحو لبنان العيش الواحد بكل ما للكلمة من معنى.
ودير مار جرجس، تم انشاؤه بقرار من الرهبانية اللبنانية المارونية خلال مجمعها العام، الذي عقد في 16 تشرين الثاني 1847 في دير سيدة طاميش، بعدما كانت ممتلاكاته وأراضيه ملحقة بدير مار أنطونيوس قزحيا (منذ العام 1805) والتي هي في الأساس عبارة عن هبة للرهبانية اللبنانية المارونية ،من السيدة ماريا سوسان ارملة السيد ريشا جرمين، الحلبية الاصل، والفرنسية التابعية.
منذ انطلاقاته شكّل الدير علامة فارقة لزرع المعرفة،الثقافة والعلم في اوساط ابناء المنطقة المتواجد فيها، وفي العاشر من اذار 1945 حصلت الرهبانية اللبنانية على مرسوم يقضي بفتح مدرسة ابتدائية في دير عشاش، خاصة للصبيان، حمل الرقم 2775 صادر عن رئيس الجمهورية بشاره خليل الخوري ورئيس مجلس الوزراء عبد الحميد كرامي.
وبعد هذا التاريخ استمرت مسيرة التربية والتعليم في الدير لتتطور بتاريخ 2 ايار 1952، اذ أجازت وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة آنذاك، بتحويل مدرسة عشاش الابتدائية الخاصة الى ثانوية بادارة الاب جرجي موسى سابا، فجمع الدير تحت جناحية طلابا من مختلف المناطق اللبنانية وتحوّل الى صورة جميلة عن لبنان الازدهار، النمو، الثقافة الفنون،العلم والابداع.
ومع بداية الأحداث اللبنانية عام 1975، كان للدير نصيبه من صورة لبنان الممزق، فتعرض للاعتداء وتمت اهانة رهابنه، فرُسم 3 منهم (الاب انطونيوس ثمينة، الاب بطرس ساسين، والاخ يوحنا مقصود) شهداء على مذبح الوطن.
لكن الرهبانية اللبنانية المارونية وعلى الرغم من الوجع غير الموصوف الذي أصاب الدير، قدمت نموذجا مهما عن المسامحة والمصالحة، واعادت الى الدير رهبته وهدوءه ومحبته لكل جواره من دون استثناء، فعاد ليمارس نشاطه الاعتيادي الرسولي،الزراعي والتربوي ابتداء من العام 1996.
ما قدم اعلاه هو اختصار شديد عن تاريخ الدير الذي يشبه بشكل كبير تاريخ لبنان ، ولو كان هناك مجال للاستفاضة، لتم كتب المزيد من السطور عن انجازات تربوية مصحوبة بنظرة ومراعاة اجتماعية قام بخطهما رئيس الدير الحاليّ الاب كليم التوني، وذلك على غرار رهبان كثر سبقوه في تولي المسؤوليات في دير عشاش وغيره من الأديرة.
وما بدا لافتا في الأيام الاخيرة هي الزيارة التي قام بها رئيس" تيار المرده" سليمان فرنجيه الى الدير ملبيا دعوة رئيسه، بحضور الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاباتي هادي محفوظ وراعي ابرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف.
في هذا الاطار، اكد مرجع مطلع لـ" لبنان 24" ان ما رافق الزيارة من سيناريوهات او محاولات لاظهار فرنجيه وكأنه من خلالها عمد الى ان تكون له اطلالة من احد الاديرة او الاماكن المقدسة المسيحية، ما يخدمه في مشواره الرئاسي نحو بعبدا، لم يُكتب له ان ينجح ولا بأي شكل من الاشكال.
فمن يعرف فرنجيه يدرك تماما ان اوجه الشبه بينه وبين (دير عشاش) كبيرة جداً، فكلاهما متجذر في ايمانه وأرضه وطائفته دون ضجيج اومحاولات استغلال بات المواطن قادر على تمييزها بسهولة.
وكلاهما شاهد ومؤمن على البعد الوطنيّ والانفتاح على الآخر في هذا الوطن الذي لا يمكن له ان يزدهر ويتطوّر الا بوحدته وبرسم مستقبله عبر خطوط مشتركة من طوائفه ومذاهبه المتعددة.
والمشترك الاهم بين فرنجيه والدير ان كلاهما سامح وصالح، وذلك انطلاقا من بعد ايمانيّ ووطنيّ في الوقت نفسه".
ويختم المرجع مؤكداً انه " بين فرنجيه و(دير عشاش) صولات وجولات مستمرة ، فزيارته الاخيرة للدير، لم تكن الاولى ولا اليتمية، لا بل اتت ضمن سلسلة زيارات غالبا ما يقوم بها فرنجيه بشكل سنوي الى الدير، ابرزها في مناسبة عيد القديس يوسف في التاسع عشر من شهر أذار".