كتبت رنا سعرتي في "نداء الوطن":
أظهر احدث تقرير للبنك الدولي، حول "تزايد انعدام الأمن الغذائي في العالم" والصادر في اواخر الشهر الحالي، تربّع لبنان على عرش قائمة الدول العشر الاكثر تضرراً من تضخم أسعار الغذاء. حيث احتلّ لبنان المرتبة الأولى بين عشرة بلدان بنسبة تضخم سنوية بلغت 139% في اسعار الغذاء (تشرين الثاني 2022 لغاية شباط 2023).
نافس لبنان في هذه القائمة زيمبابوي التي جاءت في المرتبة الثانية بمعدل تضخم سنوي بلغ 138%، والارجنتين (103%) في المرتبة الثالثة، ايران (73%) في المركز الرابع، تركيا (69%) في المركز الخامس، مصر (62%) في المركز السادس، ثم رواندا (60%)، غانا (59%)، سورينام (58%) وسريلانكا (54%).
واشار التقرير الى ان لبنان من الدول القليلة حول العالم التي ارتفع فيها معدل تضخم اسعار الغذاء بوتيرة شهرية وبنسب تزيد عن 30% في الفترة الممتدة من آذار 2022 ولغاية شباط 2023.
وأظهرت إحصاءات إدارة الإحصاء المركزي ارتفاعاً شهريّاً بنسبة 25.52% في مؤشِّر أسعار الاستهلاك خلال شهر شباط الماضي، وسنويا بنسبة 260.54% في اسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية.
ووفقاً لبرنامج الاغذية العالمي فان 46% من الأسر اللبنانية تعاني من انعدام الأمن الغذائي، ويعتبر البرنامج انه «مع الزيادة المستمرة في أسعار المواد الغذائية، أصبح الأمن الغذائي مصدر قلق بالغ، حيث تشعر معظم الأسر اللبنانية وجميع اللاجئين تقريباً بالقلق إزاء الحصول على ما يكفيهم من المواد الغذائية».
وكشف البرنامج انّ معدّلات التضخّم المرتفعة، إضافةً إلى صعوبة الحصول على الخدمات الأساسيّة وتصاعد التوتّرات الإجتماعيّة نتيجة الأزمة الإقتصاديّة التي يمرّ بها لبنان، لا تزال تزيد من مستويات الفقر العالية وانعدام الأمن الغذائي في البلاد. وقد أشار التقرير الى أنّه خلال الفترة الممتدّة بين شهر أيلول وشهر كانون الأوّل 2022 حوالى 37% من إجمالي السكّان اللبنانيّين يعانون من إنعدام في أمنهم الغذائي (حوالى 1.29 مليون فرد).
في هذا الاطار، اوضح مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر ان لبنان يستورد 86% من حاجاته الغذائية، ورغم ان تلك النسبة تراجعت الى 75% خلال الازمة، إلا ان المواد الاولية تستورد من الخارج، وبالتالي تتأثر أسعار السلع الغذائية بسعر صرف الدولار، واي تدهور بقيمة العملة المحلية يقابله انخفاض في القدرة الشرائية للمواطن.
وقال أبو حيدر لـ"نداء الوطن": "الاقتصاد في لبنان ريعي قائم على الخدمات. وقد تبيّن لنا خلال الازمات التي تمرّ بها البلاد مدى انعكاس هذا النوع من الاقتصاد على الأمن الغذائي، مما يستوجب طرح سؤال: ألم يحن الوقت للتحوّل الى اقتصاد منتج ودعم القطاع الصناعي والزراعي واقتصاد المعرفة، لكي نستطيع تأمين الاكتفاء الذاتي وتحصين الامن الغذائي للمواطن؟".
في المقابل، اعتبر نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي ان هناك خلطاً بين تضخم الاسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية، مشدداً على ضرورة التمييز بينهما لناحية احتساب التضخم الحقيقي للأسعار. وقال لـ"نداء الوطن" ان هذا التقرير يضع لبنان في المرتبة الاولى وفي مصاف زيمبابوي، علماً ان الدول التي يشملها الترتيب لا تعاني من التدني الحاد لقيمة العملة المحلية على غرار لبنان، وبالتالي «صحيح ان وضعنا سيئ وأزماتنا لامتناهية، إلا ان تسليط الضوء على ان ارتفاع اسعار السلع الغذائية هو الاكبر في العالم أمر غير صحيح»، لأن اسعار السلع الغذائية بالدولار لم تشهد زيادات كبيرة. لكنّ انهيار العملة وفقدانها قيمتها أديا الى ارتفاع اسعار السلع لدى تقييمها بالليرة، وبالتالي عند احتساب تضخم اسعار السلع الغذائية وفقاً لارتفاع اسعارها بالليرة يتبيّن ان النسبة مرتفعة جدّاً، علماً ان اسعارها بالدولار مستقرّة نوعاً ما منذ العام 2021 باستثناء بعض الارتفاعات التي شهدتها نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية والتي عادت وتقلّصت.
وشرح بحصلي ان اسعار المواد الغذائية الاساسية لم تشهد ارتفاعات ملحوظة منذ العام 2021 ولغاية اليوم، معطياً امثلة على ذلك سعر الأرز المصري (5 كلغ) الذي بقي مستقراً عند ما بين 3 الى 5 دولارات منذ ايار 2021 ولغاية كانون الثاني 2023، في حين ارتفعت اسعاره بما يوازيها بالليرة من حوالى 40 الف ليرة في ايار 2021 الى 180 الف ليرة في كانون الثاني 2023. كما اسعار زيت دوار الشمس (5 ليتر) فقد ارتفعت من حوالى 5 دولارات في اوائل 2021 ولغاية حوالى 9 دولارات في اوائل 2023، علماً انها زادت بالليرة من حوالى 50 الف ليرة الى اكثر من 350 الف ليرة في الفترة نفسها. وبالنسبة لاسعار السكر (5كلغ) فقد بقيت مستقرة ايضاً عند حدود 4 الى 6 دولارات في الفترة من ايار 2021 ولغاية كانون الثاني 2023 في حين انها ارتفعت بالليرة من 40 الف ليرة الى اكثر من 180 الف ليرة. اما الحليب البودرة، فقد تراوح سعره بين 3 الى 5 دولارات منذ اوائل 2021 لغاية اوائل 2023، علماً انه ارتفع بالليرة من 20 الف ليرة الى اكثر من 180 الف ليرة.