كتبت سابين عويس في" النهار": عندما قرر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي دعوة النواب المسيحيين الى خلوة صلاة وتأمل، كان واضحاً السقف المنخفض الذي ينطلق منه سيد بكركي في جمع الكتل المسيحية رغم الظروف الاستثنائية التي تتطلب رفع السقف الى الحد الأقصى الذي يحفظ لبكركي موقعها ومرجعيتها في الخيارات الوطنية.
بدا واضحاً من الخلوة وما نتج عنها وكان مقرّراً سلفاً، أن أصحاب الدعوة لم يرتقوا في طموحاتهم الى تحقيق خرق في المشهد المسيحي المأزوم والمشرذم، تمهيداً لتوحيد الجهود لمواجهة استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية تكون كلمة الفصل فيه لهذا الفريق.
بدا واضحاً أيضاً أن بكركي لم تسع الى الخروج من محيط حريصا الى الأفق الإقليمي الأوسع لمواكبة المتغيرات المتسارعة الحاصلة والمتجاوزة للملف اللبناني في العموم وللشأن المسيحي على وجه الخصوص.
لعل هذا ما دفع بالنائب السابق فارس سعيد الى سلسلة تغريدات استعاد فيها مشهدية قرنة شهوان التي انطلقت "من أجل حوار وطني جامع"، مذكّراً بأن اللقاء الذي بدأ مسيحياً تحوّل وطنياً عندما "صالح وليد جنبلاط، ثم حاور حزب الله-أمل، ثم تحالف مع الرئيس الحريري وركب أمواجاً مؤاتية.." داعياً حريصا الى "استطلاع ما يجري في لبنان والمنطقة والعالم. نحن نتخبط في محلية سياسية. غيرنا في طهران وكييف وموسكو وبكين. المعركة غير متوازنة".
في رأي فارس سعيد، الذي استطلعت "النهار" حيثية تغريدته اللافتة، إن بكركي بيّنت بعد خلوة حريصا أنها غارقة في حسابات سياسية محلية. تسعى الى مصالحة مسيحية مسيحية أوقعها في شركها الفريق الآخر عندما وصف أزمة الرئاسة بأنها أزمة مسيحية. لا يوافق سعيد بكركي في هذه النظرة، وبأن المصالحة المسيحية تنتج رئيساً. كان يأمل ببيان سياسي، أو على الأقل قراءة سياسية جدية وواعية إن من قبل بكركي أو من قبل النواب لما يجري في المحيط، لكنه يأسف لأن الخلوة انتهت الى تكريس مشهد جديد لم يكن يُفترض أن يحصل. فالخطوة في رأيه كسرت عزلة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل الذي كان يسعى جاهداً الى إنتاج مشهد مسيحي جديد يشبه تفاهم معراب، تصدّت له القوات اللبنانية وكرّسته بكركي تحت عنوان روحي.
أكدت الخلوة بالنسبة الى سعيد، محلية الخيار المسيحي من دون النظر الى الظروف الاقليمية والدولية وما تتطلبه من جهوزية ومقاربة في قراءة معطياتها.
قد ترى بعض الأوساط السياسية أنه ليس مطلوباً من بكركي أن يكون لها دور سياسي يتجاوز دورها الروحي والكنسي، وأن خطوة الراعي تصبّ في هذا الإطار لئلّا يفهم أن الخلوة تحوّلت الى تفاوض على أسماء مرشحة للرئاسة، ولكن إن كان هذا هو واقع الأمور، فما الذي يفسّر تحوّل بكركي الى طرف مفاوض، يوفد مراسلات الى ضاحية بيروت الجنوبية لتسليم قيادة "حزب الله" لائحة بأسماء مرشحين، وهل أصبح دور الصرح مقتصراً على صندوقة بريد؟