في الوقت الذي لا تزال فرنسا تعتبر أنّ رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة هو المرشّح الأكثر حظوظاً للوصول إلى سدّة الرئاسة الأولى، قرّرت المعارضة على رأسها "الكتائب" مواجهة "حزب الله" وباريس، عبر وضعها استراتيجيّة جديدة للإنتخابات الرئاسيّة، تبدأ بتطيير النصاب أمام مرشّح "الثنائيّ الشيعيّ" الذي تنقصه الأصوات حتّى اللحظة، والبحث عن إسمٍ وسطيّ يُوحّد الكتل التي تدور في فلك "السياديين" و"المجتمع المدنيّ" والمستقلّين.
فقد شهدت دوائر قصر الإليزيه حركة لبنانيّة معارضة لانتخاب فرنجيّة، بدأت مع رئيس الحزب "التقدميّ الإشتراكيّ" وليد جنبلاط، وانتهت هذا الاسبوع مع النائب سامي الجميّل، الذي جدّد للإدارة الفرنسيّة المخاوف من وصول رئيس طرفٍ، وبشكل خاصّ ينتمي لمحوّر "الممانعة"، الأمر الذي سيُؤزّم الأوضاع السياسيّة والإقتصاديّة أكثر في البلاد، ويأخذها بعيداً عن الحضن العربيّ والغربيّ، باتّجاه إيران وروسيا والصين.
فجنبلاط لا يزال يسعى للتسويق لمبادرته الرئاسيّة القائمة على إيجاد مرشّحٍ وسطيّ، من ضمن لائحة الأسماء التي طرحها، فيما "القوّات" و"الكتائب" و"التيّار الوطنيّ الحرّ"، أيّ أغلبيّة المسيحيين، يقفون حائلاً أمام فرنجيّة و"حزب الله". وتستفيد "المعارضة" من تشرذم قوى الثامن من آذار، مستغلة رفض النائب جبران باسيل وكتلته الإقتراع لرئيس "المردة"، في محاولة منها لتوحيد جهودها، لاستباق أيّ تفاهم دوليّ وعربيّ قد يحصل على مرشّح "الثنائيّ الشيعيّ".
ويقول مراقبون إنّ فرنسا لاحظت رغم تمسّكها بفرنجيّة، أنّ هناك جهّات لبنانيّة عديدة لا توافقها الرأيّ، وهي مستعدّة للوقوف ضدّها كيّ تقتنع بأنّ أيّ مرشّح طرفٍ لن يكون الحلّ في البلاد. وستنطلق المعارضة على أساس أنّ المملكة العربيّة السعوديّة دعت لانتخاب رئيسٍ توافقيّ، قادرٍ على توحيد اللبنانيين لا تفريقهم، ومعالجة الأوضاع الإقتصاديّة، وعدم جرّ لبنان إلى أيّ محوّرٍ في المنطقة، والمحافطة على الحياد، والصداقة مع كافة الدول المجاورة.
من هنا، يُشير المراقبون إلى أنّ النائب سامي الجميّل أعلن في حديثٍ تلفزيونيّ قبل أيّامٍ قليلة أنّه عائد إلى بيروت لحشد المعارضة ضدّ مرشّح "حزب الله" وبطبيعة الحال باريس، أيّ فرنجيّة، فإنّ تمّ التوافق بين داعمي رئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوّض، وكتلة "المجتمع المدنيّ" على أيّ إسمٍ، عندها، ستكون باريس مضطرة على تغيير سلوكها الرئاسيّ، فسيصبح مرشّح "الكتائب" و"القوّات" و"اللقاء الديمقراطيّ" وكتلة "التغيير" صاحب الحظوظ الكبرى في هذه الحال، ما سيدفع الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون للبحث والتسويق لهذه الشخصيّة مع "الثنائيّ الشيعيّ"، عبر سفيرته في لبنان آن غريو.
وكيّ يتحقّق هذا الهدف، يُشدّد المراقبون على أنّ المرشّح لا يجب أنّ يكون مستفزاً للضاحية الجنوبيّة وعين التينة، وفي الوقت عينه ينال دعم "الوطنيّ الحرّ"، وهنا الصعوبة في الأمر، إذ أنّ "القوّات" و"الكتائب" تُريدان أنّ يكون "سياديّاً" بالحدّ الأدنى، أيّ أنّ يكبح "حزب الله" والمنظّمات الفلسطينيّة من استعمال الأراضي اللبنانيّة لتصفيّة الحسابات مع إسرائيل، أو مع أيّ دولة أخرى، بينما نواب "17 تشرين" وبعض المستقلّين، وعلى الرغم من أنّهم ضدّ السلاح غير الشرعيّ، يودّون تفادي أيّ صدام في الشارع قد يجرّ البلاد إلى حربٍ أهليّة.
ويلفت المراقبون إلى أنّ المعارضة أمام إختبار مهمّ سيُحدّد ملامح السياسة اللبنانيّة للسنوات الستّ المقبلة، فإمّا تُذلل مشاكلها وتتّفق على مرشّحٍ جدّيٍّ قادرٍ على إحراج فرنجيّة في دوائر دول القرار، وإمّا تُضيّع آخر فرصة، وتسمح لفريق "الممانعة" في أنّ ينتخب رئيسه مرّة أخرى.
ويوضح المراقبون أنّ فرنسا تنطلق بدعم أيّ إسمٍ، من عدد النواب الذين يُؤيّدونه وصولاً إلى إمكانيّة زيادتهم من الطرف الآخر، وهي لا تكترث إنّ كان قريباً من "حزب الله" أو يُخالفه، فهدفها الدفع إنجاز الإستحقاق الرئاسيّ كيّ لا تزداد الأزمات السياسيّة والماليّة في لبنان سوءاً.