يكرّر كثيرون بين الفينة والأخرى أنّ "كلمة سرّ" الاستحقاق الرئاسي تبقى بيد الكتلتين المسيحيتين الأكبر، "الجمهورية القوية" (القوات اللبنانية) و"لبنان القوي" (التيار الوطني الحر)، باعتبار أنّ هاتين القوتين قادرتان، إذا ما اتفقتا على مقاربة موحّدة، بمعزل عن سائر القوى السياسية أو بالتكافل والتضامن معها، "فرض" خيارها إن جاز التعبير، أو بالحدّ الأدنى، "إجهاض" أيّ خيار آخر، عبر "إحراج" متبنّيه.
لكنّ المشكلة الأساسيّة والجوهريّة التي يصطدم بها هذا "المنطق"، تبقى في العلاقة "شبه المقطوعة" بين "التيار" و"القوات"، فالاتصالات بينهما "محصورة" بالواجبات السياسية والاجتماعية لعدد من النواب، فيما الحوار "مرفوض"، أقلّه في العلن، خصوصًا من جانب "القوات" التي ترفض تلقّف ما توصف بـ"اليد الممدودة" من جانب "العونيّين"، تفاديًا لتكرار ما بات يحلو لأوساطها نعته بـ"خطيئة" تفاهم معراب.
بيد أنّ ما هو مرفوضٌ في العلن، قد لا يكون كذلك خلف الكواليس، حيث تنتشر بعض الأقاويل منذ أيام عن "تنسيق" حاصل بين الطرفين "تحت الطاولة"، وصل لحدّ "تبادل الأدوار"، الذي تجلّى في "مزايدة" بعض "العونيين" على "القوات" في التصويب على "حزب الله" في بعض المواقف، فما حقيقة هذا الأمر؟ هل ينجح "تقاطع المصالح" بين الجانبين في إعادة وصل ما انقطع، ولو تحت عنوان "التفاهم على الرئيس"، ليس إلا؟!
"تقاطع مصالح"
يؤكد العارفون وجود "تقاطع مصالح" واضح بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، عنوانه "مواجهة" ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، خصوصًا في ضوء ارتفاع "أسهم" الأخير، وصولها إلى أوجه، مع تصنيفه "المرشح الأكثر جدّية والأوفر حظًا" وفق الحسابات الداخلية والخارجية على حدّ سواء، ولو كان لكلّ منهما أسبابه "الموجبة"، والمتفاوتة بطبيعة الحال، في خوض هذه "المعركة".
فعلى الرغم من الاختلافات "الفاقعة" بينهما، يتفق "التيار" و"القوات" على رفض وصول فرنجية إلى قصر بعبدا، حيث يخوض الأول "معركة فعلية" في مواجهته، دفعته إلى إعلان "شبه قطيعة" مع حليفه الوحيد، "حزب الله"، حتى إنّ أيّ اتصالات "معايدة" لم تُرصَد بينهما في الأيام الأخيرة، كما كان يحصل في السابق، وهو يصرّ على كونه "ممرًا إلزاميًا" لانتخاب رئيس، يجب أن يكون "تحت مظلّته"، ولو لم يكن "عونيًا".
وتتقاطع "القوات" مع "التيار" على رفض انتخاب فرنجية، لكن وفقًا لقناعاتها التي لا تتفق فيها مع "التيار"، وأولها كون عهد رئيس تيار "المردة" سيكون استكمالاً لعهد الرئيس السابق ميشال عون، باعتبار أنّ "مرشح حزب الله" لن يُعطى ما لم يُعطَ لعون قبله، وبالتالي لن يكون قادرًا على إحداث أيّ "فارق"، بل قد تشكّل ولايته تكريسًا للانهيار الشامل، فضلاً عن أنّ "القوات" تريد رئيسًا "يواجه حزب الله"، وهو ما لا يمكن أن يسري على فرنجية.
التنسيق والهواجس المتبادلة
لكن، إذا كان "التيار" و"القوات" يتفقان على ضرورة "مواجهة" ترشيح فرنجية، وإذا كان الجانبان مقتنعين في الصميم بأنّ "تفاهمهما" يمكن أن يشكّل "فيتو" في وجه رئيس تيار "المردة"، خصوصًا إذا ما ارتقى لمستوى الاتفاق على مرشح "مضاد"، فإنّ المعطيات المتوافرة لا توحي بأنّ أيّ "تقدم" قد أحرز على خط التنسيق بينهما، علمًا أنّ كلّ ما يُحكى عن "تواصل" يبقى محدودًا، بمستويات لا تصل إلى "القيادات".
ويتحدّث العارفون في هذا السياق عن "هواجس متبادلة" بين الطرفين، تمنع تحقيق أيّ تقدّم، فـ"التيار" وإن أصرّ على أنّ "القواتيين" سيأتون إليه عاجلاً أم آجلاً، لا يبدو راغبًا في "توسيع" حدود التقارب، أبعد من التفاهم على مرشح موحّد، لا يستفزّ "حزب الله" بالضرورة، علمًا أنّ "القواتيين" يتوجّسون من مواقفه، بعدما أعاد فتح "صفحة الحرب" التي كان يفترض أن يكون تفاهم معراب قد طواها إلى غير رجعة.
وعلى المنوال نفسه، يعتقد "القواتيون" أنّ "التيار" لا يسعى سوى للاستفادة منهم من أجل "قطع الطريق" على فرنجية، لا أكثر ولا أقلّ، وهو لن يتأخّر في "الانقضاض عليهم" من جديد، متى تحقّق هذا الهدف، بل إنّهم لا يستبعدون أن يضع يده بيد "حزب الله" من جديد بعد ذلك، للاتفاق معه على مرشح غير رئيس تيار "المردة"، وهم لذلك غير قادرين على أخذه "على محمل الجدّ"، أو "تصديق" فكرة التحاقه بالمعارضة.
يتفق "التيار" و"القوات" على مواجهة ترشيح فرنجية، لكنّهما يختلفان على "البديل"، وهنا بيت القصيد. الثابت أنّهما "يتوجّسان" من بعضهما البعض، بدليل أنّ "القوات" تقول إنّها لن تصدّق "التيار"، إلا إذا تبنّى مرشحها، أمر يبدو "شبه مستحيل" وفقًا للعارفين، فباسيل لا يسعى لانتزاع "الفيتو" على فرنجية، لاستبداله بآخر لا "يتناغم" معه. وبين هذا وذاك، هل يكون رئيس تيار "المردة" الرابح الأكبر؟!