بعد الطّلة الأخيرة للأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله بدا موقف "حارة حريك" من الملف الرئاسي مشتّتًا، إذا جاز التعبير، خصوصًا أن ما أطلقه كل من نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، من تصريحات بدت متعارضة في مضمونها. وهذا ما أعتبره بعض من هم في "المعارضة" نوعًا من "الضياع" الناتج عن الاتفاق السعودي – الإيراني، والذي لم يكن "الحزب" على إطلاع بمضمونه وتفاصيله، فيما رأى بعضٌ من أطياف قوى "الممانعة" فيه تعددية في المواقف القيادية في "حزب الله" توزيعًا للأدوار كمقدمة لموقف حاسم ونهائي لن يصدر بالطبع إلاّ على لسان نصرالله.
فموقف النائب محمد رعد، يمكن إدراجه في خانة الالتفاف على ردود الفعل التي أعقبت تصريح الشيخ قاسم، والذي هدّد فيه المعارضين لانتخاب رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية، بوضعهم أمام خيارين: إمّا انتخاب فرنجية وإمّا الفراغ. أو من خلال استتباعه بتهديد صفي الدين، بـ "أنهم ستفوتهم فرصة الركوب في القطار إذا ظلوا على رفض ما يُعرض عليهم"، بما يعني القبول بفرنجية أو الإقصاء السياسي.
وقد جاء الردّ على قاسم وصفي الدين مباشرة من جزين على لسان رئيس "التيار الوطني الحر"، الذي شنّ هجومًا صاعقًا على هذه التهديدات، خصوصًا أن هذا الردّ اعتبره بعض المحللين مقدمة لانتقال باسيل من ضفة إلى أخرى، وهو الذي يلتقي مع حزب "القوات اللبنانية" وعدد من قوى "المعارضة" على رفض ترشيح فرنجية بما يمكن اعتباره "تحدّيًا لإرادة القوى المسيحية الأكثر تمثيلًا، نيابيًا وشعبيًا".
فهل يمكن القول إن الشيخ قاسم أخطأ في ما ذهب إليه ، فاضطرّ "حزب الله" إلى التعامل مع هذا الموقف بما يتناسب دقّة المرحلة وصعوبة اجتذاب أكبر عدد ممكن من الأصوات النيابية لضمان وصول التأييد لمرشح "الثنائي الشيعي" إلى عتبة الـ 65 صوتًا، وهل يمكن اعتبار هذا التصريح أن "الحزب" بدأ مرحلة جديدة من تعامله مع الاستحقاق الرئاسي بواقعية أكثر من ذي قبل، خصوصًا بعدما لمس أن باسيل لن يسير بفرضية إما فرنجية أو الفراغ، وأقتنع بأن لا سبيل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي إلا بتفاهم الجميع، و"نحن دعمنا مرشحنا للرئاسة لكن لم نغلق الأبواب ودَعَوْنا الآخرين إلى أن يطرحوا مرشحهم"، كما جاء في تصريح رعد.
ولو لم يكن تصريحا قاسم وصفي الدين قد أزعجا القيادة الحزبية العليا لما أعطي النائب رعد الضوء الأخضر لإعلان هذا الموقف "التراجعي" أو "التنازلي"، خصوصًا أن التواصل اليومي بين "بنشعي" و"حارة حريك" وضع هذين التصريحين في خانة إلحاق الضرر بفرنجية، الذي حاول في طّلته الأخيرة، عبر "الجديد"، أن يبدو قريبًا من الجميع حتى من الذين يعلنون صراحة رفضهم السير به كمرشح طبيعي.
فهل تدّخل رعد، بطلب مباشر من نصرالله، تماهيًا مع ما حمله الوزير الإيراني عبد اللهيان معه إلى الضاحية الجنوبية من أفكار؟
من المبكر الحكم على ما قاله كل من قاسم وصفي الدين ورعد، ومن المبكر أيضًا وضع كل تصريح من هذه التصريحات الثلاثة في خانة توزيع الأدوار أو تكاملها، أو في خانة عدم وضوح الرؤية لدى القيادة العليا لـ "حزب الله"، وهذا الأمر يندرج في إطار طرح السؤال التالي: ماذا يريد "حزب الله" بالتحديد؟ هل يريد حقيقة أن يخيّر اللبنانيين، وبالأخصّ المسيحيين منهم، بين فرنجية أو الفراغ أو الفوضى، أم أنه يريد أن يقدّم النصائح للذين سيفوتهم قطار التسوية السعودية – الإيرانية، أم أنه يريد فعلًا الذهاب في خياراته الرئاسية نحو اعتماد سياسة التنازل المطلوبة من الجميع؟