ليس صعبا على من يتابع التحركات السياسية في لبنان وفي محيطه، أن يتأكد بأن الولايات المتحدة الأميركية عادت، وان بشكل محدود، للتدخل في الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعد غياب شبه كامل لعدة اشهر، اوكلت خلالها لفرنسا بالعمل على اتمام تسوية ضمن الخطوط الحمراء الاميركية.
العودة الاميركية الى لبنان ليست مرتبطة حصرا بالواقع اللبناني، او بشكل التسوية التي من المرجح ان تعقد، بل بالواقع الاقليمي ككل الذي لا يبدو انه يناسب واشنطن او يرضيها وخصوصا المصالحة السورية السعودية والتنسيق السعودي مع ايران في القضايا الثنائية.
الهدف الاميركي الاول هو منع انعكاس هذا التقارب بين دول الخليج وايران وسوريا على الملفات الاقليمية. وقد حاولت واشنطن عرقلة عودة دمشق الى جامعة الدول العربية ، لكن الرياض قررت الذهاب بعيدا في المصالحة العربية العربية واعادت دمشق رغم بعض الاعتراضات الى الحضن العربي.
في ظل هذه التطورات المتسارعة استشعرت الولايات المتحدة خطورة ترك الساحة اللبنانية ،لاسيما وأن باريس تعمل على دعم مرشح حزب الله رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وان السعودية لم تعد تريد ان تكون رأس حربة بل تريد تسهيل عملية انتخاب الرئيس، وقد تصل الى حلول وسط مع ايران وسوريا في لبنان..
تقول مصادر مطلعة ان واشنطن تلعب دورا جديا في توحيد خصوم فرنجية وتشجعهم على اختيار شخصية ودعمها في المعركة الرئاسية، وهذا الامر يزيد من قدرة بعض حلفاء السعودية على الصمود وعدم تجاوبهم مع التوجه العام للرياض، وهذا يشمل "القوات اللبنانية" بشكل اساسي، لذلك قد يكون الهدف الاميركي اليوم هو تأخير التسوية وليس عرقلتها.
كما ان دخول واشنطن على خط الازمة الرئاسية كان واضحا من خلال التلويح العلني بالعقوبات على بعض المسؤولين الذين يعرقلون عملية الانتخاب، وهذا ما اعتبره البعض تصويبا مباشرا على رئيس المجلس النيابي نبيه بري وضغطا كبيرا عليه ليفتح المجلس النيابي وعقد جلسات انتخاب حتى لو لم تؤد الى انتخاب رئيس جديد.
احدى اهم المخاوف الاميركية هي ان يؤدي التفاهم الاقليمي بين السعودية وخصومها السابقين الى تسويات في مختلف دول المنطقة، وهذا ما لن تستطيع واشنطن عرقلته او خربطته، لان حضورها ونفوذها لم يعد كما كان في السنوات السابقة، وبسبب انشغالها في ملفات كبرى من اوكرانيا الى الصين، لذلك فإن منع الوصول الى هذه التسويات هو السبيل الوحيد لفرملة التقدم الايجابي بين طهران والرياض بشكل اساسي.