ليس جديدًا الحديث عن "انقسام"داخل ما وُصِف يومًا بـ"تكتل نواب التغيير"،فهو يكاد يتجلى في كلّ الاستحقاقات والمناسبات من دون استثناء، قبل أن يظهر بشكل "فاقع" في الأيام الأخيرة، مع تولي أحدهم، وهو النائب مارك ضو، مهمّة تلاوة بيان قوى المعارضة دعمًا لترشيح الوزير السابق ميشال معوض، وذهاب زميله النائب وضاح الصادق في سلسلة مقابلات تلفزيونية لحدّ "النطق" باسم المعارضة، إن جاز التعبير.
في مقابل "نموذجي" ضو والصادق، اللذين خرجا بشكل أو بآخر من عباءة "الوسطية"، للتموضع بوضوح في صفوف المعارضة، ومعهما أول المنسحبين من "تكتل التغيير"، النائب ميشال الدويهي، "نموذج مضاد"، بحسب رأي البعض، يتمثل في النائبة حليمة قعقور، التي تلتزم حدّ "التعصّب" بشعار "كلن يعني كلن" الثوريّ، بدليل مسارعتها لنبذ "تسوية" أزعور، من دون أيّ نقاش أو بحث في السيناريوهات والاحتمالات.
وبين النموذجين المذكورين أعلاه، لا يزال موقف العديد من النواب الآخرين المحسوبين على "التغيير" غير محسوم، بين احتمال الانضمام لداعمي أزعور، في مواجهة رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، أو الذهاب إلى "خيار ثالث" تأكيدًا على خياراتهم، ليبقى اللافت بانتظار هذا "الحسم"، أنّ "التغييريين" باتوا ينتقدون بعضهم البعض في الغرف المغلقة، كما لا يفعل خصومهم أنفسهم!
عتب وانتقادات
تمامًا كما أنّ "انقسام" من يصطلح على وصفهم بـ"نواب التغيير" لم يعد يحمل جديدًا، فإنّ الحديث عن "خيبة" أحدثها أداء هؤلاء النواب على المؤيدين للجو "التغييري"، ومن يُعرَفون بـ"ثوار 17 تشرين" ليس خافيًا على أحد بدوره، حيث يبرز "عتب" على نواب عوّل عليهم الشعب من أجل إحداث "الخرق"، فإذا بهم ينقسمون بين من اختار الالتحاق بـ"المنظومة" بكلّ بساطة، ومن فضّل "التنظير"، وهو يدرك أنّه لن يستطيع تحقيق أيّ تغيير.
في هذا السياق، يوجّه بعض المتحمّسين لخيار التغيير لومًا للنواب الذين ضربوا برأيهم "جوهر" 17 تشرين، ويسري ذلك بالدرجة الأولى على النواب ضو والصادق والدويهي، الذين التحقوا رسميًا وعمليًا بالمعارضة، بصيغتها التي تكاد توازي ما كان يُعرَف بقوى "14 آذار"، ليتقاطعوا بذلك حتى مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ويقدّموا له الخدمات، رغم أنّه كان "المُستهدَف الأول" في شارع "17 تشرين".
وإذا كان هؤلاء يرسمون الكثير من علامات الاستفهام حول أداء هؤلاء النواب، وتصريحاتهم المُبالَغ بها، بل مزايداتهم في مكانٍ ما، وكأنّ دورهم بات محصورًا بـ"معارضة حزب الله"، لا المنظومة برمّتها، يشيرون إلى أنّ الموقف "النقيض" قد لا يكون أفضل حالاً، فالنائبة قعقور مثلاً باتت تسبّب "نفورًا"، ولو أنّ نيّتها أن تبقى "متناغمة مع نفسها"، في حين أنّ المطلوب السعي لتحقيق "تغيير حقيقي"، تفاديًا للتحول لمجرد "شهود" يعترضون على كل شيء.
ماذا عن "الرماديين"؟!
عمومًا، وبمعزل عن التقييم، فبين خيار ضو والصادق والدويهي الواضح مع أزعور، وخيار قعقور ومعها سينتيا زرازير الواضح أيضًا ضدّ أزعور وفرنجية على حدّ سواء، يبقى موقف سائر النواب "رماديًا" إلى حدّ بعيد، ولو أنّهم "يتقاطعون" على رفض ترشيح رئيس تيار "المردة"، علمًا أنّ بينهم من ألمح إلى أنّ ما يسري على فرنجية يسري على أزعور، قبل أن يقول إنّهم قادرون على الاختيار "بين السيئ والأسوأ"، إذا ما اقتضى الأمر.
يقول العارفون إنّ ثمّة أكثر من رأي لدى "الرماديين" الذين قد ينقسمون أيضًا في الموقف النهائي، فبينهم من يبدو "ميّالاً" لأزعور، ولكنّهم بعكس الصادق وضو والدويهي لا يريدون الذهاب إلى مثل هذه الخطوة "بالمجان"، لأنّ المهمّ برأيهم هو البرنامج، وبالتالي فإنّ القرار يجب أن يكون مبنيًا على "مشروع" الأخير، بمعنى أنّهم يرهنون قرارهم ببعض الإجابات التي يمكن أن يقدّمها الرجل على بعض الأسئلة والهواجس.
وإذا كان بين هؤلاء من يخشى أيضًا من حقيقة "التسوية" التي أبرِمت مع أزعور، خصوصًا أنّ أحدًا لم يضعهم في أجوائها، وأنّهم لا يمكن أن يصادقوا على أيّ تفاهم يقوم على "المحاصصة"، لا يزال جزء واسع من "التغييريين" يميل للذهاب نحو "خيار ثالث"، قد يكون منطلقًا للبحث في المرحلة المقبلة، خصوصًا أنّ كل التقديرات والترجيحات تشير إلى أنّ جلسة الانتخاب المقبلة لن تفرز انتخاب رئيس، وإنّ التوافق سيستدعي البحث عن مرشح آخر.
يقول مؤيدو فكرة الذهاب إلى "خيار ثالث" إنّه يجنّبهم الوقوع في "شرك" الاصطفافات، ولكنّه أيضًا قد يكون "فاتحة" للعودة إلى الدور الذي حاول "التغييريون" لعبه في المرحلة الأولى، قبل أن ينفرطوا ويسقط تكتّلهم "ضحية" للتجاذبات الرئاسية، لكنّ ذلك يبقى "مرهونًا" بطبيعة "الاسم" الذي سيتمّ اختياره، بالتنسيق مع مستقلين آخرين، بعيدًا عن "سيناريو" شهدته جلسات سابقة، وزاد النقمة على "التغييريين"!