يعلم "حزب الله"، ومعه حركة "أمل"، أن الفريق الآخر، أي الأكثرية المسيحية، لن يقبل بسليمان فرنجية كمشروع رئاسي، أيًّا تكن الظروف. وهذا الفريق لم يتوحدّ في الأساس إلا على فكرة رفض هذا الترشيح.
في المقابل، فإن "الثنائي الشيعي" لن يقبل بالسير بمرشح "المعارضة"، الذي يبدو أن رقم الـ 59 هو أقصى ما يمكن أن يحصل عليه في السباق الرئاسي. وهذا الأمر ينسحب أيضًا على مرشح "الممانعة"، الذي وصل إلى رقم الـ 51 بجهد .
وأمام هذه المعادلة الحسابية يبدو أن الملف الرئاسي سيبقى في ثلاجة الانتظار، إلى حين عودة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، الذي لم يبقَ غيره في الميدان.
وبما أن الأرقام هي التي تتكلم في المعادلة الحسابية، فإن المرشحين المتنافسين على الكرسي الرئاسي، أي سليمان فرنجية وجهاد ازعور، سيبقيان حتى اشعار آخر مشروعين رئاسيين غير مكتملي المواصفات، لأن المسافة التي تفصل بين "ساحة النجمة" وقصر بعبدا تبدو أطول مما يُعتقد، وبالتالي فإن جلسة 14 حزيران بما حملته من نتائج غير قابلة للطعن، على رغم "الصوت الـ 128 الضائع"، كانت كافية لتبيان مستوى الأحجام لدى طرفي النزاع، حيث تأكد للقاصي والداني أن أي فريق من هذين الفريقين غير قادر لوحده على إيصال مرشحه إلى بعبدا، سواء أكان اسمهما سليمان فرنجية أو جهاد ازعور أو غيرهما، باعتبار أن الأسماء لم تعد مهمّة أمام حقيقة الاصطفاف العمودي الحاد.
فما هو ثابت أن لا أحد من أطراف الصراع الرئاسي وما خلف هذا الصراع من خلفيات مبيّتة على استعداد للتخلي عن مرشحه، والذهاب بالتالي نحو خيارات أخرى. وهذا الأمر مرشّح للتفاعل السلبي، الذي يرتدّ بسلبياته على مجمل الوضع العام في البلاد، وإن كان الموسم السياحي الصيفي يضفي على الأجواء السياسية المتشنجة بعض الطراوة.
فـ "حزب الله" ومن معه يصرّون على دعم ترشيح فرنجية حتى النهاية، على رغم معرفتهم المسبقة بأن زمن التسويات لم يحن أوانه بعد، وأن البلاد ليس في وسعها العيش في ظلّ الفراغ الرئاسي سنتين ونصف السنة كما كانت عليه الحال في العام 2014. فالوضع الاقتصادي اليوم لا يسمح لأحد بإدخال البلاد في أي مغامرة جديدة، لأن المراهنات على بعض المتغيّرات في الخارج لن تجدي نفعًا هذه المرّة، وإن كان بعض المعلومات يشي بقرب انفراج أميركي – إيراني في ما خصّ الملف النووي تمامًا كما حصل في ملف العلاقات السعودية – الإيرانية في شكل مفاجئ.
ما يريده "حزب الله" من وراء هذا الإصرار هو الذهاب إلى حوار داخلي برعاية فرنسية وبموافقة مجموعة الدول الأربع وبمباركة إيرانية، وذلك بهدف تحقيق ما كان يطالب به لناحية الإقرار بفكرة المؤتمر التأسيسي، الذي لا يزال مرفوضًا من قِبَل شرائح واسعة من الأحزاب المعارضة، التي تطالب بتطبيق اتفاق الطائف بروحيته ومواده كاملة من دون اجتزاء أو انتقائية، وبالأخص في ما يتعلق بالمركزية الإدارية والمالية الموسعة.
في الجهة المقابلة فإن وضعية "المعارضة"، التي لا تزال تصرّ على ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور، مع معرفتها المسبقة ايضًا بأن حدودها لا تتجاوز الـ 59 صوتًا، لا تختلف كثيرًا عن وضعية "الثنائي الشيعي"، من حيث الأهداف التعطيلية، ومن حيث أخذ البلاد رهينة التناقضات والتباينات في السياسات العامة والتوجهات.
وبين هذا وذاك سيبقى البلد متأرجحًا على حبال الرياح الدولية والإقليمية حتى اشعار آخر.