منذ اللحظة الأولى لاندلاعها نهاية الأسبوع الماضي، طرحت اشتباكات مخيم عين الحلوة الكثير من علامات الاستفهام لا عن خلفيّاتها الحقيقيّة فحسب، والتي لم تبدُ كافية لتفسير ما حصل، رغم كلّ ما حكي عن تراكمات أدّت إلى تفجير الوضع الأمني داخل المخيم، ولكن أيضًا عن توقيتها الذي بدا "مريبًا" لكثيرين، وكذلك عن أهدافها الحقيقية، ولا سيما بعدما أعادت فتح ملف السلاح الفلسطيني في لبنان على مصراعيه.
ومع اتفاقات وقف إطلاق النار، التي كانت "تُخرَق" لحظة دخولها افتراضيًا حيّز التنفيذ، وقبل أن يجفّ الحبر الذي كُتِبَت فيه، كانت "الريبة" التي أحاطت بالاشتباكات تزداد أكثر فأكثر، ولا سيما مع الحديث عن "طابور خامس"، وربما أكثر، دخل على خط الأحداث الملتهبة، ليشعل الفتيل ويزيد الاحتقان، وسط مخاوف تبدو أكثر من "مشروعة" من إمكانية تمدّد الاشتباكات وتوسّعها إلى خارج المخيم، الذي يُعَدّ الأكبر في لبنان.
وفي حين أدّى كلّ ما سبق إلى اعتبار شريحة واسعة من المراقبين اشتباكات عين الحلوة جزءًا من "مخططات مشبوهة"، قد لا تكون "معزولة" بالضرورة عن الواقع السياسي والأمني الذي تشهده البلاد، يبدو أنّ علامات استفهام بالجملة ستبقى بحاجة لمن يجيب عنها، فما الذي يُراد فعليًا من تفجير الوضع الأمني، من بوابة المخيمات في هذه المرحلة؟ وهل من يرغب في الذهاب إلى سيناريو "نهر بارد" آخر؟ وأي انعكاسات لكلّ ذلك على الواقع الداخلي؟
"صندوق بريد"
إذا كانت القضية الفلسطينية، بمعناها النضالي الواسع، تجمع اللبنانيين ولا تفرّقهم، بوصفها قضية محقّة لا غبار حولها، فإنّ اشتباكات عين الحلوة تبدو بالنسبة إلى كثيرين أبعد ما تكون عن "نبل" هذه القضية، بل إنّ هناك من يصف هذه الاشتباكات بـ"المريبة والمشبوهة"، ويذهب لحدّ اعتبارها "خدمة مجانية" للعدو الإسرائيلي بالدرجة الأولى، ولأولئك الذي يسعون لتهميش القضية الفلسطينية، واعتبار أنّها "انحرفت عن مسارها" بشكل أو بآخر.
يقول العارفون إن مجرد "التزامن"، الذي يصعب تصديق فرضية "براءته"، بين اندلاع الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، واجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، تحت عنوان "المصالحة الفلسطينية"، يعزّز الشكوك، وكأنّ هناك من اختار ساحة المخيمات الفلسطينية في لبنان لتوجيه الرسائل، وربما تصفية الحسابات، وبالتالي يسعى لتحويل لبنان مرّة أخرى إلى "صندوق بريد" يتمّ عبره تبادل الرسائل "النارية" على وجه الخصوص.
لكلّ ما تقدّم، يرى هؤلاء أنّ الاشتباكات "مشبوهة"، تمامًا كإصرار بعض القوى، المعلومة وربما المجهولة، على إطالة أمدها، رغم كل اتفاقات وقف إطلاق النار التي يتمّ التوصّل إليها، علمًا أنّ ما يزيد المخاوف يكمن في محاولات "إقحام" جوار المخيمات في التوتر القائم، تارةً عبر قذائف ترمى عشوائية في المحيط، وطورًا عبر استهداف الصحافيين، وكلّها عوامل تؤكد أنّ الأمر ليس مجرّد "إشكال" بين هذا الفصيل وذاك، وإنما هو أكبر من ذلك بكثير.
كيف يتأثّر الداخل؟
بهذا المعنى، يقول العارفون إنّ ما يحصل في مخيم عين الحلوة لا يمكن أن يبقى اللبنانيون بمنأى عنهم، في ظلّ الأوضاع الدقيقة والحسّاسة التي يمرّ بها البلد على أكثر من مستوى، ليس فقط لأنّ المخيّم ليس جزيرة معزولة، ولا لكونه أضحى جزءًا لا يتجزّأ من الواقع اللبناني المتداخل والمتشابك فحسب، ولكن أيضًا لأنّ لبنان قد يكون هو "المُستهدَف" من هذا التوتير، الذي لا يتردّد البعض في ربطه بواقع البلاد "المتأزّم".
ثمّة من يخشى في هذا الإطار من أن يكون ما يحصل في مخيّم عين الحلوة مقدّمة لتمدّد الاشتباكات وتوسّعها، بما يهزّ الواقع الأمني في البلد بشكل مباشر، بل ثمّة من يخشى أن تكون البلاد مقبلة على سيناريو "نهر بارد جديد"، ولو أنّ الاستنفار السياسي الذي كرّسته القوى المعنيّة، خصوصًا في مدينة صيدا، وكذلك التأهب الأمني الذي أظهرته قيادة الجيش بشكل خاص، تدفع إلى الاعتقاد بأنّ "صوت العقل" هو الذي سيغلب في النهاية.
وبمعزل عن التطورات الأمنية التي يخشى اللبنانيون من تبعاتها على واقعهم، في ظلّ مخاوف سابقة لاشتباكات عين الحلوة من وجود مخطّطات لتفجير أمني لا بدّ أن يسبق أيّ تسوية سياسية أصبحت برأي البعض "ضرورة ملحّة"، فإنّ مجرد إضافة ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات إلى صلب النقاش الداخلي من شأنه تعميق الأزمات، في بلد يعيش على وقع "الفراغ" الذي يتمدّد من مؤسسة إلى أخرى، بل يقترب من قيادة الجيش.
قد يكون "تزامن" التوتر الأمني في مخيم عين الحلوة مع "الشغور" في منصب حاكميّة مصرف لبنان، عقب انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة، وتسلّم نائبه وسيم منصوري للصلاحيات، مجرّد صدفة بالفعل. لكن قد يكون مفيدًا الاستفادة منها لطرح بعض الأسئلة، فماذا لو أنّ الشغور كان في قيادة الجيش؟ هل من يفكّر باستحقاق الشغور الذي سيحلّ في غضون أشهر ما لم يُنتخَب رئيس؟ وهل من يبحث في سبل المواجهة؟!