عادة يُمتحن الطلاب شفهيًا بعد أن يكونوا قد اجتازوا بنجاح الامتحان الخطّي. أمّا الفرنسيون ففعلوا العكس. يمتحنون "الطلاب السياسيين اللبنانيين" خطّيًا، وهم لم يستطيعوا اجتياز عتبة الامتحان الشفهي، وجاءت النتيجة مخيّبة لآمال الفرنسيين. وعلى رغم هذه الخيبة لم يقطع من هم متحدّرون من مدرسة شارلمان الأمل كليًا، وقرروا أن يعطوا "طلابهم" الراسبين في الامتحان الشفهي فرصة جديدة لعلهم يتمكنون من الإجابة على الأسئلة الخطّية بما يمكنّهم من تحقيق نتائج أفضل من السابق، مع السماح لهم بالاستعانة بـ "صديق" أو اللجوء إلى "الجمهور" قبل إعطاء الجواب النهائي.
نفترض أن هؤلاء "الطلاب" لن يتمكّنوا من اجتياز الامتحان الخطّي، وهم الذين رسبوا في الشفهي، خصوصًا أن لا أحد من "الأصدقاء" أو من "الجمهور" مستعدّ لمساعدة هؤلاء "الطلاب"، الذين قرروا، على ما يبدو، عدم الاتكال على أنفسهم. فمن لا يساعد نفسه لا يستطيع أن يطلب مساعدة الآخرين. وهذا ما حاول كثيرون إفهامه لهؤلاء "الطلاب"، الذين اعتادوا على الغشّ في الامتحانات السابقة، فكانت النتيجة على النحو، الذي يعرفه الجميع، ولا يحتاج المرء إلى كثير من الاجتهاد لكي يستخلص العبر الناتجة عن تكاسل هؤلاء "الطلاب"، الذين لم يتعلموا من قصص لافونتين شيئًا، وبالأخص تلك التي تتحدّث عن "الزيز"(la cigale) و"النملة"(la fourmie).
فكيف سيستطيع هؤلاء "الطلاب" النجاح في امتحان غير مسموح الغشّ فيه، وكيف سيتمكّنون من الإجابة عن الأسئلة الموجّهة إليهم، وهم بالكاد فتحوا كتابًا لمراجعة ما يجب مراجعته، والقيام بواجباتهم المدرسية طيلة فترة الاستعداد لهذا الامتحان، الذي فيه يُكرم المرء أو يُهان.
وبما أن أرجحية الرسوب في الامتحان الفرنسي هي الغالبة فإن السؤال، الذي لم يسأله الفرنسيون على أنفسهم، يبقى هو الأساس في أي معادلة مستقبلية، إصلاحيةً كانت أم سياسية أم رئاسية، وهي قضايا مترابطة عضويًا، وتتفرع منها مسائل لا تقّل أهمية عن القضايا الآنفة الذكر، وهي تطاول الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي والأمني. فهذه الأوضاع الناتجة عن فوضى سياسية غير مسبوقة آيلة إلى التفاقم، بحيث لم تعد المعالجات التي تعتمد على المسكّنات تفيد في شيء، خصوصًا مع صدور التقرير المالي الجنائي، الذي زاد الأمور تعقيدًا وغموضًا، وأدخل اللبنانيين من جديد في دوامة المستعصيات.
والسؤال هو: ماذا بعد هذا الامتحان الفرنسي، وماذا بعد هذا الرسوب اللبناني؟ ماذا ينتظر اللبنانيين، وهم الذين، لكثرة ما يتعرضون له من مذلات، أصبح لسان حالهم كحال المتنبي الذي قال يومًا "من يهن يسهل الهوان عليه ما بجرح بميت إيلام".
ما يحاول الفرنسيون القيام به قد يكون الفرصة الأخيرة أمام ممثلي الشعب، الذين عليهم القيام بأمر واحد فقط قبل قيامهم بأي أمر آخر، وهو انتخاب رئيس جديد لجمهورية تكاد تفقد مقومات وجودها كدولة كاملة الأوصاف.
فهل ينجح الحوار، الذي ستدعو إليه باريس على شكل "طاولة عمل"؟
ما يصلنا من معلومات ومن أجواء حتى الآن لا يوحي بإمكان نجاح هذا المسعى. وقد يكون ما قاله البطريرك الراعي في عظة الأمس خير دليل على ما يصل إليه من معلومات، وهو دعا إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي شيء آخر.