تتوالى أخبار الطاقة في لبنان من كلّ حدبٍ وصوب في الأسبوع الأخير، فعادت مسألة الحفر في الآبار النفطيّة البحريّة وخصوصًا البلوك رقم ٩ بعد عشرة أشهر من اتّفاق الترسيم. كذلك، أكّدت مصادر أنّ مجلس الوزراء لن يموّل شحنات الفيول، وبالتالي لن تزداد ساعات التغذية بالتيّار الكهربائيّ التي يرجوها المواطن، لتخفّف من وطأة موجة الحرّ غير المسبوق التي تضرب لبنان والعالم.
من ناحية أُخرى، تروّج مؤسّسة كهرباء لبنان للوصول إلى توازن ماليّ تحقّقه تدريجيًّا، نجد أنّه لتوزان وهميّ. إذ أنّ هذه المؤسّسة العريقة باتت بحكم الخارجة عن العمل، فالصيانة، وفاتورة المصاريف أقلّ بكثير في ظلّ "التعطّل" و"العطلة" عن العمل التي تطول وتطول.
إنّ ما يُخرج حديث الطاقة والكهرباء عن سياقه الدراميّ، وتخفيف أثره في حياة الشعب اللبنانيّ، هو رضوخ كثيرين منذ عامَين للواقع "المُظلِم" والتوجّه إلى الطاقة البديلة، وخصوصًا ألواح الطاقة الشمسيّة لتخطّي عوائق انقطاع التيّار الكهربائيّ. حتّى أنّ الطلب المتزايد عليها، أصبح يدرّ دخلًا لا بأس به على الحرفيّين والاختصاصيّين في مجال الطاقة الخضراء.
كما عزف كثيرون عن استخدام المولّدات الخاصّة التي انتشرت لعقود قبل الأزمة الاقتصاديّة، إذ أنّ رفع الدعم عن المحروقات وجّه لهذه المصادر البديلة ضربة قاضية. فأصبح لبنان "أخضر" من جديد في تلهّفه لتركيب الألواح الكهروضوئيّة، فكان التخفيف على الجيبة، تخفيفًا للمضار البيئيّة أيضًا.
لكن، ليس كلّ ما هو في حكم الطاقة المستدامة أمرٌ صحّيّ وسليم... فالطلب المتزايد، والرغبة في الربح السريع، جعل غير الاختصاصيّين يدخلون مجالًا لا يفقهون فيه حتّى المبادئ الأساسيّة، وقد يعرّضون بجهلهم المواطنين إلى خطر نشوب الحرائق، كما قد يتسببون بكوارث جرّاء أخطاء التركيب والتثبيت، خصوصًا وأنّهم قد يستدرجون طبقة عاجزة عن دفع التكاليف العالية، فيذهبون بهم إلى نوعيّات سيّئة، أو حلول خطرة. فكيف لأسرة أن تدفع آلاف الدولارات الأميركيّة لتركيب نظام الطاقة الشمسيّة لمنزلها؟ فلبنان يواجه موجة فقر مدقع، تكون فيها السلامة العامّة أوّل الأمور الثانويّة.
وكما يقول المثل: "رُبّ ضارةٍ نافعة" فإنّ أزمة الكهرباء "ولّدت" عادات وسلوكيّات يوميّة سليمة. فاستعان اللبنانيّ بمصابيح الـ "LED"، وإطفاء الأجهزة غير المستخدمة أو غير الضروريّة، لتحقيق أفضل أداء لنظام الطاقة الشمسيّة البديلة، واستفادته بأقصى حدّ من أشعة الشمس المجانيّة: "نور الله أحلى"، الأمر الذي لم تقوَ عليه سابقًا حملات التوعيّة والترشيد.
للأسف، فإنّ وتيرة تطوّر الطاقة المستدامة في القطاع الخاصّ أكبر منها بأشواط في القطاع العامّ، خصوصًا مع احتجاب الدعم الماليّ-الدوليّ المشروط بالإصلاحات السياسيّة كما هو الحال مع برنامج صندوق النقد الدوليّ. كذلك، تعتمد الدولة اللبنانيّة على خطّة توليد ٣٠٪ من الطاقة المستدامة بحلول العام ٢٠٣٠، لكنّ اعتمادها الأكبر هو على القطاع الخاصّ.
في المشهد اللبنانيّ، تضاعفت الطاقة الشمسيّة المركبة بمقدار ٧ مرّات منذ بداية الأزمة الاقتصاديّة العام ٢٠١٩، لتصل إلى ٦٩٠ ميغاواط في العام ٢٠٢٢. ومن المفترض أن يستمرّ هذا الاتجاه المتصاعد على المدى القصير، نظرًا للزيادة الكبيرة في واردات الألواح الشمسيّة. في الوقت نفسه، تظهر مشاريع الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة واسعة النطاق: البلديات الريفيّة، والشبكات الصغيّرة بين المستشفيات والمدارس والمبانيّ الدينيّة، كوسيلة نافعة لإعادة إحياء هذه الوحدات.
من جهة أُخرى، ثمّة اهتمام بمصادر الطاقة الشمسيّة أكبر منه بما يخصّ الطاقة المائيّة في الجبال اللبنانيّة، والطاقة المتولّدة من الرياح القويّة التي تصل سرعتها إلى ٣٠ كم/ ساعة في بقاعٍ أُخرى. وهذا ما يتطلّب إنشاء بنى تحتيّة تساعد على الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعيّة.
أخيرًا، يبقى التساؤل المفتوح: هل الميل إلى استخدام الطاقة البديلة، سيقودنا إلى تبديل الكثير من السلوكيّات المُسيئة للبيئة في التقليل من انبعاثات الكربون وغازات "الاحتباس الحراريّ"؟ أم أنّها ستولّد مُعضلات جديدة في عدم وضوح كيفيّة التخلّص من البطاريّات المتهالكة؟ أو العشوائيّة في التركيب مقابل التنظيم الحضريّ للمدن اللبنانيّة؟
ختامًا، مهما كانت الحلول البديلة نافعة وسليمة لبلدنا، علينا ألّا ننسى أنّه لا يمكننا "استبدال" مهام المؤسّسات الحكوميّة في مسؤوليّتها بتوفير الطاقة للبقاع اللبنانيّة كافّة، ولا يمكنها مجرّد التفكير في أنّ هذه الحلول الفرديّة "حمل وزال عن كتفها"، فعليها أن تستفيق من حلم الموازنات الوهميّة، والتفتيش عن الحلول الجذريّة، واستئصال المسبّبات، لا الاستعانة بحلول "فرديّة"، والابتعاد عن "الاتّكاليّة".