في مراجعة لخطابات الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، وخاصة في الآونة الأخيرة، نلاحظ تشديده على أهمية أن تقوم الدولة بأدوارها كاملة وحتى الأمنية منها في المناطق الخاضعة لنفوذ "الثنائي الشيعي"، وتحديدًا في الضاحية الجنوبية، حيث كثرت الشكاوى من التجاوزات، التي يقوم بها بعض الذين لا سلطة لـ "حزب الله" عليهم، وهم باتوا أقرب إلى "الحال الداعشية" أكثر من انتمائهم إلى البيئة الحاضنة لـ "الحزب"، والذين يشوّهون صورته في الداخل والخارج.
وباعتراف المسؤولين في "حزب الله" فإن انتشار آفة المخدرات والممنوعات في الضاحية بات يقلق القيادة الحزبية، التي لم تستطع أن توقف تمدّد هذا الخطر داخل البيئة الضاحيوية، على رغم ما يملكه "الحزب" من إمكانات ومن فائض قوة، وعلى رغم قوة جهازه الاستقصائي والمخابراتي.
ولأنه وجد نفسه عاجزًا عن مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة طلب مساعدة الدولة، لأنه يعرف أن أجهزتها تستطيع أن تتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة من منطلقات علمية بحتة، وذلك من دون أن يضطّر هو لاستنزاف قدراته القتالية في غير الموقع الطبيعي لسلاحه، الذي بدأ كثيرون يرسمون أكثر من علامة استفهام حول دوره الداخلي، وبالأخص بعد حادثة الكحالة، وما رافقها من ملابسات، وما نتج عنها من مؤشرات ودلالات. فـ "الحزب" يعتبر أن ظاهرة انتشار آفة المخدرات في الضاحية موجّهة ضده في الدرجة الأولى قبل أن تكون موجّهة إلى بيئته الحاضنة، وهي بحسب تقديره عمل مخطّط له بهدف ضرب روح المقاومة لدى الشباب.
وبذلك يكون اعتراف القيادة الحزبية بعجز "حزب الله" عن مكافحة هذه الآفة لوحده أول غيث الاعترافات، التي يجب عليه ان يدلي بها علنًا قبل أن تكون محصورة داخل الجدران الأربعة. وبهذه الطريقة المتقدمة، والتي تتطلب جراءة في المعالجة، تكون "حارة حريك" قد وضعت اصبعها على الجرح، على أن تكون هذه الخطوة مقدمة لخطوات أخرى بدأت تنضج في أذهان المسؤولين الحزبيين، الذين لا يُصنّفون في خانة "الصقور"، وبالأخصّ في الخيارات السياسية، وبالتحديد في الخيار الرئاسي، بعدما تبّين للجميع أن لا أحد من القوى السياسية قادر على إيصال مرشحه إلى بعبدا لوحده.
ولكن في المقابل، يرى المراقبون أن ما قام به "حزب الله" مؤخرًا في حيّ السلم يندرج في إطار الذهنية، التي لا تزال تعتمد على مقاربة تكريس الواقع، الذي لا يزال يعتبر أن الضاحية الجنوبية لبيروت هي خارج الدولة بالمفهوم الأمني. وفي اعتقاد هؤلاء المراقبين أنه كان على الجهاز الأمني في "الحزب" أن يترك مهمة مداهمة الإرهابي "الداعشي" للقوى الأمنية اللبنانية الشرعية، وأن يقدّم إليها المعلومات المخابراتية، التي كانت في حوزته عن التحركات المشبوهة لهذا "الداعشي"، مع ما يُرسم من علامات استفهام حول عدم طلب القضاء العسكري اللبناني من القوى الأمنية الشرعية التدخل لإجراء التحقيق حول انتحار هذا "الداعشي"، والاكتفاء برواية "حزب الله" الذي تولى لوحده مهمة تفتيش الشقة التي كان يقطنها "الإرهابي" والعائدة إلى أقاربه.
إلاّ أن ثمة معلومات غير أكيدة تشير إلى أن "الحزب" قد يبادر إلى تسليم أقارب "الداعشي" إلى أحد الاجهزة الأمنية اللبنانية لمواصلة التحقيق معهم، على رغم أن المعلومات الأولية تستبعد ضبط أي من عدّة الشغل" التي كان من الممكن أن يستخدمها لتفجير نفسه بحزام أمني في منطقة مكتظة بالسكان أو مواد يمكن الاستعانة بها لإعداد العبوات الناسفة.
أمّا على خطّ حادثة الكحالة المشؤومة فإن خطأ "حزب الله" كان في عدم استباقه لما يمكن أن يحصل نتيجة نقل أسلحته بهذه الطريقة المكشوفة، وذلك من خلال إخطار القوى الأمنية لتأمين مواكبة رسمية لعمليات النقل، التي كانت قائمة على قدم وساق، طالما أن سلاحه مغطّى شرعيًا من خلال البيانات الوزارية المتلاحقة.
وفي رأي المراقبين السياسيين فإن "حزب الله" لو فعل ما كان يجب أن يقوم به لكان أصاب عصفورين بحجر واحد، ولكان تلافى ما وقع فيه من أخطاء كان في غنىً عنها.