ساعاتٌ قليلة تفصلُ مُخيّم عين الحلوة في صيدا عن "إنعطافة أساسيّة" في ملف التوتر الذي يشهدهُ منذ شهر تمّوز الماضي، وما سيجري اعتباراً من اليوم الخميس سيُمثّل خطوة عمليّة لبيان "هيئة العمل الفلسطيني المُشترك" الصادر يوم الثلاثاء، والذي دعا القوة الأمنيّة المشتركة في المخيم إلى تنفيذ "الواجب بما يخصُّ الجرائم الأخيرة التي حصلت"، وآخرها حادثة اغتيال القيادي في حركة "فتح" اللواء أبو أشرف العرموشي على يد إرهابيي جماعتي "جند الشام" و "الشباب المسلم".
بحسب معلومات "لبنان24"، فإنَّ القوة الأمنية المُشتركة تتحضّر أولاً لتسلُّم المدارس ضمن المخيم وفرض سيطرتها عليها بعد خروج مُسلّحي الجماعتين المذكورتين منها. اللافت هنا هو أنَّ موعد إنتشار القوة جرى تسريبهُ أمس الأربعاء عبر تطبيق "واتساب" وتمّ تحديدهُ اليوم الخميس، علماً أنَّ تفاصيل تلك الخطوة الأمنية المُرتقبة كانت يجب أن يبقى طيّ الكتمان بين المعنيين بها.
هنا، تقولُ مصادر خاصة لـ"لبنان24" إنَّ ما جرى إعلانه يحمل إلتباساً واضحاً، فالقوة الأمنية المشتركة لم تُحدّد يوم الخميس موعداً لتحرّكها باتجاه المدارس، وما حصل هو أنّ الإرهابي هيثم الشعبي هو من أبلغ حركة "فتح" عبر وسطاء وهم "حركة حماس" ورئيس الحركة الإسلامية المُجاهدة الشيخ جمال خطاب، بأنّ مسلحيه سيغادرون المدارس يوم الخميس باتجاه منطقتي التعمير وحي الطوارئ داخل المُخيم. لهذا السبب، رجّحت مصادر ميدانية في عين الحلوة أن تتأخر عملية الإنتشار ريثما يتمّ ترتيب الأوضاع الميدانيّة، فيما رأت في الوقت نفسه أنّ تنفيذ خطوة الدخول إلى المدارس قد تحصلُ اليوم وتحديداً بعد التأكد من إنسحاب المسلحين من الصروح التعليمية من جهة، وبعد ضماناتٍ بعدم تحضير الإرهابيين أو أي مجموعات أخرى لعملٍ أمني يُخلّ بالخطة الموضوعة من جهةٍ أخرى. أما الأمر الأهم فهو أنّ الخطوة التي ستلي الإنتشار في المدارس ستكون، وبحسب معلومات "لبنان24"، دخول القوة الأمنية المشتركة إلى منطقتي الطوارئ والتعمير التحتاني لجلب المطلوبين بجريمة اغتيال العرموشي، وذلك خلال 24 ساعة تقريباً من خطوة إحكام السيطرة على المدارس.
وتوازياً مع ذلك، أشيعت خلال الساعات الماضية أيضاً أنباءٌ تفيد بأنّ قوات الأمن الوطنيّ الفلسطيني أمهلت مسلحي "جند الشام" و "الشباب المسلم" حتى الساعة 6 من صباح اليوم الخميس للخروج من المدارس، وسط تضمين تهديدٍ يفيد بأنه سيتم التعامل مع أيّ مسلح بعد تلك المهلة. إثر ذلك، بادرت قوات الأمن الفلسطيني إلى إصدار بيانٍ ينفي ما تمّ تداوله، باعتبار أن مثل تلك الأخبار تثيرُ التوتر والهدف منها إحباط المساعي التي يجري التحضير لها خلال المرحلة المُقبلة.
أمرٌ مريب
في الواقع، فإنّ الكلمة التي أعطاها الإرهابيون بشأن خطوة خروجِهم من المدارس تتضمنُ شبهات معينة لا يمكن التغاضي عنها. معلومات "لبنان24" تكشفُ إنّ الإرهابي هيثم الشعبي قال إنهُ على إستعداد لذلك، لكنّه أشار في الوقت نفسه عبر الوسطاء إلى أنَّ شقيقه الإرهابي مُحمّد الشعبي يرفض إخلاء المدارس. لهذا، سادت شكوكٌ من مُخطّط مشبوه يجري التحضير له، وتقولُ المصادر في عين الحلوة إنَّ "إشاعة حصول إنقسامٍ بين الأخوين الشعبي في هذه المرحلة لا يدلّ إلا على أمرٍ مريب ويجب الإنتباه له بشدّة"، وتضيف: "الحديثُ عن رأيين في أوساط المسلحين يعني أنَّه من المُمكن أن تبقى مجموعات لا تريد الخروج من المدارس متحصنة داخل الأماكن الموجودة فيها، وبالتالي من الممكن أن تبادر إلى مهاجمة القوة الأمنية المشتركة أثناء تنفيذ الأخيرة إنتشارها المُرتقب".
ووفقاً للمصادر، فإنَّ هيثم الشعبي يُحاول "اللعب" على حبالٍ مُختلفة من خلال إيهام الفصائل الفلسطينية على أنهُ مُتعاون، لكنه في الوقت نفسه يستثمر الحديث عن وجود إنقسامٍ بينه وبين أخيه لإبقاء السيطرة على المدارس وتبرير أي هجومٍ قد يحصل على أنه جاء بسبب عدم إلتزام كافة العناصر بقرار الإنسحاب. هنا، تشيرُ المصادر إلى أن هيثم الشعبي هو "الآمر الناهي" في أوساط "الشباب المُسلم" و "جند الشام"، ومن خلاله يتمّ إعطاء الأوامر للمسلحين، وبالتالي فإن الحديث عن أن شقيقه هو الذي "يمونُ" في قرار إخلاء المدارس، يندرجُ في إطار الكلام المشبوه والمُريب والمشكوك به وغير الصحيح على الإطلاق.
إضافةً إلى ذلك، تقولُ مصادر "لبنان24" إنَّ الشعبي اعتمدَ أكثر من مرة أسلوبَ "التنصّل" من أي أمرٍ يتعلق بحوادث أمنيّة داخل المُخيّم لتبرئة نفسه، كاشفة أنَّه وخلال التحقيقات التي أُجريت بجريمة اغتيال العرموشي، قال الشعبي للجنة التحقيق إنَّه "كان نائماً" لحظة تنفيذ الجريمة يوم 30 تموز الجاري. بحسب المصادر عينها، فإنّ الشعبي تفوّه بالعبارة نفسها قبل سنوات حينما تعرّضت مراكز "فتح" في حي بستان القدس لإطلاق نار كثيف عقب إنتشارٍ إشكالٍ مُسلّح بين شخصين في المحلة. حينها، كانت كثافة النيران شديدة وقد حُوصر مسلحو "فتح" داخل مراكزهم أكثر من 15 دقيقة بسبب الرصاص الكثيف، وحينما سُئل الشعبي عن الأمر، قال إنه "كان نائماً" أيضاً.
ما يتفوّه به الشعبي وصفتهُ مصادر فلسطينية بـ"السخافات" التي يلجأ إليها إرهابيّ لتبرير أعماله وأفعاله، وسألت بإستهجان: "شو هالمسؤول العسكري يلّي بضل نايم وما بيعرف شي.. أكاذيب تلو أكاذيب". كذلك، تقولُ المصادر إنَّ إنتشار القوة الأمنية المشتركة وسط عدم وجود ضمانات ميدانية، يُعيد الذاكرة إلى العام 2017، وتضيف: "حينها، وفي ذلك العام، وأثناء تنفيذها إنتشاراً في حي الطيري بعد حوادث اغتيال عديدة، تعرّضت القوّة الأمنيّة المُشتركة لإطلاق نار أسفر عن مقتل أحد عناصرها ويُدعى موسى الخربوطي. وإثر ذلك، اندلعت مواجهة ضدّ مجموعة الإرهابيّ بلال بدر في المنطقة وتطوّر الأمر إلى تطهير المنطقة من العناصر التابعة لذاك الإرهابي".
وتُردف المصادر: "لهذا الأمر، هناك مخاوف من أن يتكرر سيناريو الطيري أثناء انتشار القوة الأمنية في المدارس، ولهذا السبب يبقى الحذرُ واجباً لأنّ التعاطي يحصلُ مع إرهابيين لا يلتزمون بأي وعود".
ووسط هذه المشهدية، تكشف معلومات "لبنان24" إنَّ تشكيل القوة الأمنية المُشتركة شهدَ خلال الساعات الماضية عوائق عديدة بعدما رفض الشيخ جمال خطاب، رئيس الحركة الإسلامية المجاهدة، المشاركة في القوة التي تشكلت من مختلف الفصائل الفلسطينية. هنا، تقولُ المصادر إنَّ خطاب أعطى ذريعة مفادُها إنَّ العناصر الذين ينضوون تحت قيادته ليسوا من المطلوبين للدولة اللبنانية، وبالتالي فإنَّ مُشاركتهم في أي عملية قد تجعلهم "تحت الرّصد".
وإزاء هذا الأمر، تقرّر أن تكون القوّة الأمنية المشتركة قائمة على 3 دوائر بغض النظر عن التنظيمات التي امتنعت عن المشاركة فيها، وهي باتت مؤلفة من: الدائرة الأولى وهي تُمثل منظمة التحرير الفلسطينية، الدائرة الثانية وتُمثل القوى الإسلامية على إختلافها، فيما الدائرة الثالثة تمثل قوى التحالف وأنصار الله.
بحسب المصادر، فإن ما يجب ذكره هو أن هناك فصائل لم تُقدّم عناصر للمشاركة في القوة بسبب عدم وجود قدرة لها على ذلك، لكنها تتبنى القرار الذي سيُتخذ ميدانياً داخل المُخيّم، وتقول: "الأساس يكمنُ في تنفيذ ما يجب تنفيذه وعودة الهدوء إلى المُخيم، وفي حال تحقق ذلك فإن الإنجاز سيكون للجميع من دون إستثناء".