أسبوعٌ واحدٌ مضى على الهدوء التام في مُخيم عين الحلوة. منذُ الخميس الماضي، لا إشتباكات، لا إطلاق نار، لا إنقلابات داخليّة بين الفصائل الفلسطينية.. كذلك، تتكثف الإجتماعات لتثبيت وقف إطلاق النار الذي جاء برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري وبضغطٍ من الأجهزة الأمنية اللبنانية.. ولكن.. ماذا سيجري بعد؟ وما الذي تكشفه الوقائع عن مُستقبل المُخيم خلال الأيام المقبلة؟
صحيحٌ أنَّ التهدئة القائمة ترتبطُ بتعهدات قطعتها الفصائل الفلسطينية الأساسية أمام الدولة وخصوصا حركتا "فتح" و "حماس"، لكنَّ سقوط الإستقرار "الهش" واردٌ في أيّ لحظة في حال فشِلت كلُّ المساعي الهادفة لتحقيق بندٍ أساسي في إتفاق وقف الإشتباكات يتمثل بتسليم قتلة القيادي في حركة "فتح" اللواء أبو أشرف العرموشي.
حتى الآن، "المماطلة" تفرُض نفسها على صعيد هذا البند، وتقولُ معلومات "لبنان24" إنَّ قيادتي "جند الشام" و"الشباب المُسلم" لم تقدّما بعد أي حلول على صعيد التسليم، في حين أنَّ هناك مخاوف لدى أوساط المُسلّحين من إختيار "الحلقة الأضعف" بينهم وتسليمه إلى الدولة اللبنانية على أنهُ "الغنيمة المطلوبة".
رعبٌ في أوساط المطلوبين
تقولُ آخر معطيات "لبنان24" من مصادر فلسطينيّة ميدانية إنَّ المطلوبين بإغتيال العرموشي ما زالوا متحصّنين داخل منازلهم في منطقتي التعمير والطوارئ، فلا قدرة لهم على التحرّك هناك، حتى أنَّ بعضهم لا يتجوّل إلا بإرتداء "القناع الأسود" خوفاً من إكتشافه أو معرفة هوّيته.
بحسب المعلومات، فإنَّ "الرعب" في أوساط هؤلاء المطلوبين والبالغ عددهم ثمانية (المطلوب الثامن هو عزّو ضبايا نقل إلى خارج المخيم بعد إصابته خلال الاشتباكات الأخيرة)، سيؤثر تماماً على قراراتهم، ومن المُمكن أن يدفعهم الضغط الذي يُمارس عليهم إلى إقتراح تسليم أنفسهم طوعاً إلى الدولة اللبنانية. هنا، تقول مصادر متابعة للملف لـ"لبنان24" إنَّ هذا هو ما يجري حقاً، فتهديد المطلوبين بقتلهم داخل المخيم أو تصفيتهم هو أمرٌ باتوا يخافون منه بالدرجة الأولى، ومن الممكن أن يدفعهم ذلك إلى إبلاغ قياداتهم بـ"الخضوع للدولة" والمكوث في السجون بدلاً من الموت برصاصةٍ تأتيهم من "عدو أو صديق".
في حال حصول هذا الأمر فعلياً، عندها سيكون المطلوبون هم من اختاروا هذا الأمر من دون أن تتكبّد قيادتهم أيّ "ثمن". فعلى صعيد المطلوبين هيثم الشعبي وشقيقه محمد وبلال بدر، "لا خسارة" أبداً بالنسبة لهم إن تمّ تسليم المطلوبين "الموظفين لديهم"، وذلك لأنهم غيرُ مشمولين أصلاً بالتوقيف..
واقعياً، فإنَّ ما سيجري هو أنَّ الأخوين الشعبي وبدر سيبقون في أماكنهم وضمن تحصيانتهم، لكنّ المفارقة ستكون في "تحجيم نفوذهم" وتطويق حركتهم أكثر فأكثر، أي أنّ جماعتي "الشباب المسلم" و"جند الشام" ستكونان تحت الرصد والحصار المستمر ولكن من دون قتال ومع ضمانات بعدم المسّاس بهما ضمن المخيم..
مضمون تحجيم الجماعتين المذكورتين قد يكون مطلبُ الدولة اللبنانية بشكلٍ أساسي، فالمفاوضات التي تُخاض الآن ترتبطُ بالأمر المذكور بالدرجة الأولى، ما يعني التأسيس لـ"تسوية" من 3 بنود: الأول: وهو إرضاء الدولة من خلال حصر مطلوبين و "عرقلة" تقدمهم بإشراف القوى الفلسطينية، الثاني: تضميدُ جراح "فتح" بتسليم المطلوبين في جريمة إغتيال العرموشي، جعلُ "حماس" المُساهمة في الحل ومؤازرة لـ"فتح" في القوة الأمنية المُشتركة التي أرادت العودة إليها من بوابة مخيم عين الحلوة.
مؤشرات لا تُوحي بـ"التهدئة"
في حال تحقّقت الأمور المذكورة آنفاً، عندها سيكونُ ملف مخيم عين الحلوة قد إنتقلَ حقاً إلى التهدئة".. ولكن، هل توحي المؤشرات الحالية بذلك؟
من ينظر إلى واقع المُخيّم ميدانياً سيستنتجُ التالي: كلُّ الأطراف تراقب بحذر ما ستؤول إليه الإتصالات على صعيد تسليم المطلوبين. إضافة إلى ذلك، تكشف حركة النزوح المتواصلة من المخيم أنَّ سكانه فقدوا الثقة بأي قرارٍ لوقف إطلاق النار.
في حديثٍ عبر "لبنان24"، يقولُ الفلسطيني مُحمّد الذي ينامُ حالياً خارج المُخيم بعدما تدمّر منزله في حي حطين: "لا ضمانات بعدم تجدّد الإشتباكات.. ننتظر الحل.. فهل سيأتي؟ سنبقى خارج المخيم حتى تخرج كافة الفصائل الفلسطينية علناً ومع بعضها البعض لتقول إن الملف إنتهى وسنعمل على إعادة النازحين.. غير ذلك، لن نصدق أحداً".
"الثقة" التي انعدمت لدى النازحين تُشكل نقطة تحوُّل عميقة في الصراع. أما ميدانياً، فإنّ المؤشرات الأخرى تؤكد تماماً أنَّه لا إستقرار، فالمُسلحون ما زالوا مُنتشرين في مختلف الأماكن.. القناصة ما زالوا موجودين على أسطح المباني.. لا أعمال ولا أشغال في مناطق التوتر.. المدارس ما زالت تحت قبضة المسلحين.. خطوط التماس ما زالت على حالها.. إذاً، أين الهدوء؟
مصدرٌ فلسطيني داخل عين الحلوة يُلخّص الوضع بـ3 عبارات قيلت سابقاً: "نارٌ تحت الرماد"، ويقول: "يبدو أنّ الأزمة ستطول لسببين: الأول وهو أنَّ هناك حرباً خفية بين الفصائل المُختلفة، وكل طرفٍ يرى أن الآخر يسعى للتقدُّم عليه.. أما السبب الثاني فهو أنَّه لا مبادرات واضحة حتى الآن لتسوية وضع النازحين الذين ضاقوا ذرعاً من إنعدام خدمات وكالة الأونروا".
وختم: "الأفضل هو أن نراقب وأن نعاين كل يومٍ بيومه.. فيوم أمس قد يكون أفضل من اليوم.. الجميعُ يترقب ما سيجري، وما ستحمله المعطيات الميدانية كفيلة بمعرفة ما سيشهده المخيم لاحقاً.. ولهذا، فلننتظر".