لم يكن اجتماع المجموعة الخماسية بشأن لبنان، والمؤلفة من كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية مصر، على قدر الرهانات، أو بالحدّ الأدنى على مستوى الآمال المعقودة عليها بـ"إنعاش" الملف الرئاسي، خصوصًا بعد الزيارة الأخيرة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، والتي انتهت على "وعد" بعودة قريبة، كان يفترض أن تكون "مدفوعة" بدعم المجموعة برمّتها.
فمع أنّ أجواء الاجتماع الذي عقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بقيت "ضبابية"، في ظلّ تضارب في المعلومات والمعطيات التي أفرزتها التسريبات الصحافية، فإنّها "تقاطعت" بشكل أو بآخر على وجود تباين في الرؤى ووجهات النظر بين أطراف "الخماسية"، خصوصًا في ما يتعلق بالمهلة الممنوحة للمبادرة الفرنسية، والتي يبدو أنّ بعض الأطراف لا يريدها "مفتوحة" كما ترغب باريس.
ولعلّ خير دليل على هذه "الضبابية" تمثّل في "الإرباك" الذي رُصِد على الساحة اللبنانية، وترجمه النائب السابق وليد جنبلاط جليًا بحديثه الصحافي الذي أبدى فيه "انطباعًا شخصيًا" يقوم على أن بعض أعضاء المجموعة الخماسية "يفسدون مهمّة" لودريان، منتقدًا تهميش مهمّة الرجل، بل ما وصفه بـ"اللعب مع اللبنانيين"، فعل يعني ما تقدّم انتهاء صلاحية المبادرة الفرنسية؟ وهل حان وقت الحراك القطري، ولو من باب تقريب وجهات النظر داخل "الخماسية"؟!
وجهات نظر "متضاربة"
مرّة أخرى، بدا أنّ اجتماع المجموعة الخماسية حول لبنان لم يُحدِث "الخرق الموعود"، وتبيّن انّ الرهانات "المُبالَغ بها" التي وضعها البعض عليه لتحريك الملف الرئاسي لم تؤت أكلها، بل إنّها كشفت في مكان ما "الاختلافات والتباينات" في صفوف "المجموعة الخماسية"، لدرجة أنّ بعض المتابعين ذهب للقول ساخرًا، إنّ "الخماسية" التي يفترض بها أن تتوسّط بين اللبنانيين، باتت بحاجة لمن يتوسّط لها بادئ ذي بدء، حتى تتجاوز خلافاتها.
في كلام جنبلاط مثلاً جزء من هذه الصورة، ولا سيما بقوله إنّ "الخماسية" باتت "رباعية"، وانتقاده العودة إلى "نقطة الصفر" في الملف الرئاسي بعد الاجتماع "غير المجدي" على ما يبدو، وهو ما يتناغم مع وجهة نظر تعتبر أنّ اجتماع "الخماسية" الذي كان يُنتظَر منه أن يعطي "دفعًا" لمهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي، خلص إلى النقيض تمامًا، فقوّض مهمّته وعقّدها أكثر من اللزوم، ما يمهّد لإنهاء الحراك الذي تقوم به باريس، أو ربما "تجميده" لبعض الوقت.
في المقابل، ثمّة وجهة نظر أخرى يعبّر عنها بعض المتابعين، تقوم على أنّ الأجواء "التشاؤمية" التي تمّ تسريبها في هذا السياق هي "المضخّمة"، ولا سيما أنّ الحديث عن اختلافات في صفوف "الخماسية" ليس جديدًا، وقد ظهر جليًا في اجتماع الدوحة قبل شهرين، حين أراد لودريان دعمًا صريحًا لمهمّته، فخلا البيان الختامي من أيّ إشارة للحوار، أو حتى البدائل التي اعتمدها لاحقًا، كاجتماع العمل، أو التشاور، بل تضمّن تلويحًا بإجراءات بقيت حبرًا على ورق.
من باريس إلى الدوحة
قد لا يعني ما تقدّم أنّ "صلاحية" المبادرة الفرنسية قد انتهت عمليًا، طالما أنّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أعلن عن "عودة قريبة" إلى لبنان، وطالما أنّ أيّ إشارة "معاكسة" لم تصدر عن باريس، لكنه يعني بطبيعة الحال أنّ مهمّة لودريان "غير ميسّرة"، ولا سيما أنّ الحوار الذي يدعمه لا يحظى على ما يبدو، حتى الآن، بفرص النجاح، ولا سيما بعد "انقلاب" رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل على مواقفه السابقة منه.
ومع أن العارفين يؤكدون أنّ ما تسرّب من أجواء لقاء "الخماسية" يشير إلى "تباينات" حول مدة الصلاحية المعطاة للمبادرة الفرنسية، بين من يريدها محدودة بنهاية الشهر الجاري، انسجامًا مع "الفرصة الأخيرة" التي تحدّث عنها لودريان نفسه سابقًا، وبين من يريدها "مفتوحة أكثر" حتى يتمكّن الرجل من تحقيق ما يصبو إليه، يتّفق المتابعون على أنّ الأنظار بدأت من الآن تتّجه نحو الحراك القطري، الذي قد يخرج قريبًا جدًا من الكواليس إلى العلن.
ويقول المطّلعون على الأجواء إنّ الدوحة التي يُعتقد أنها ستستلم "راية المبادرة" من الجانب الفرنسي، ستعمل أولاً على تقريب وجهات النظر بين أطراف "الخماسية" حتى لا تصبح "رباعية"، أو تنقسم إلى معسكرين متعارضين، وهي قد تنجح في ذلك لقربها من كل الأطراف، علمًا أنّها تسعى لإطلاق حراكها علنًا، بـ"دفع" من شركائها، حتى يتسنّى لها النجاح، ولا سيما أنّها ترفض "التسلل" من باب "التناقض" مع المسعى الفرنسي.
يقول البعض إنّ باريس ستتمسّك بمبادرتها ولن تتراجع، ولو أنّ الحوار الذي تروّج له لا يزال غير قابل للترجمة على أرض الواقع، في ظلّ الرفض الذي تبديه قوى المعارضة، التي ما عادت تتردّد في "التصويب" على اللاعب الفرنسي. لكنّ "التحدّي" قد يكون أصعب في ظلّ الاختلاف داخل "الخماسية"، ومع دخول القطري على الساحة، ولو من باب "التوازن" بين المسعى الفرنسي، ورؤى شركائه الآخرين، وهنا بيت القصيد!