على خطين متوازيَين، ولو لم يكونا مضادَّين، توزّعت مواقف "حزب الله" في الأيام القليلة الماضية، أولهما التمسّك بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية حتى الرمق الأخير، ولو وصل الأمر إلى جلسات مفتوحة ومتتالية لن تغيّر شيئًا في المشهد، ما فُهِم في بعض الأوساط عودة إلى التشدّد والتصلّب، بعيدًا عن المرونة والليونة اللتين أظهرهما في الآونة الأخيرة، أقلّه بانتظار الحوار الذي يبدو "متعثّرًا".
أما الخط الثاني الذي طبع مواقف "الحزب"، ولعلّه الأهم، انطوى على رسالة تعمّد توجيهها إلى حليف "تفاهم مار مخايل" سابقًا، و"شريك" حوار اللامركزية الإدارية حاليًا، رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، وقد تولّى إيصالها نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بقوله إنّ الحوار المستمرّ مع "الوطني الحر" ليس "الطريق الوحيد والحصري" للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
تحدّث الشيخ قاسم في هذا الإطار، عن "حوار الأيام السبعة" الذي لم يطوِ رئيس مجلس النواب نبيه بري صفحته بعد، على الرغم من انخفاض أسهمه، بعد اجتماع "المجموعة الخماسية" بشأن لبنان في نيويورك، لكنّه ألمح أيضًا إلى "طرق أخرى" يمكن أن توصل إلى انتخاب الرئيس قبل أن يحقّق الحوار مع "التيار" أهدافه المرجوّة، فهل يؤشّر ذلك إلى "تخبط ما" يمرّ بالحوار بين "الحزب" و"التيار"؟ وكيف تفسّر رسائل "الحزب" لباسيل؟
تحفّظات "حزب الله"
في قراءة لمواقف نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، يقول العارفون إنّها عمليًا لا تحمل ما "يناقض" أدبيّات "الحزب" طيلة الفترة الماضية، فهو أراد القول إنّه مستمرّ في الحوار مع "التيار الوطني الحر"، ويتعامل معه بكلّ جدّية، ولكنه لا "يحصر" كلّ النقاش الرئاسي بهذا الحوار، ولا "يرهن" كلّ النتائج التي يمكن أن تتحقق به، بدليل دعمه غير المشروط الذي يُبديه إزاء الحوار الذي يطرحه رئيس مجلس النواب، والذي حصل على "دفع" من الفرنسيّين.
لا يعني ما تقدّم أنّ "حزب الله" لم يتعمّد توجيه "رسالة ما" إلى باسيل، ربطًا بـ"تحفّظات" قد تكون لديه على أداء الرجل، والمسار الذي يتبعه، سواء في الحوار المستمرّ، أو على هامشه، ولعلّ "التحفّظ الأول" أن باسيل هو الذي "عطّل" حوار الرئيس نبيه بري، بعد أن كان أبدى إيجابيّة عليه في اليوم الأول، فهمها "حزب الله" حينها على أنها بادرة "حسن نيّة"، فإذا بباسيل ينقلب عليها، ويضع "الشروط" التي أفرغت الحوار من مضمونه.
وتوازيًا مع امتعاض "حزب الله" من موقف باسيل من "حوار الأيام السبعة"، يقول العارفون إنّ "امتعاضه" يصل إلى طريقة تعامل باسيل مع الحوار المستمرّ معه، في ظل شعور لديه بـ"عدم جدية" تترجم بالمماطلة التي تفسّر في بعض الأوساط على أنها محاولة منه لـ"كسب الوقت" ليس إلا، لإسقاط "ورقتي" فرنجية وقائد الجيش في آن، علمًا أنّ تعيينات "التيار" الأخيرة التي شكّلت استفزازًا للحزب، تركت أثرها "السلبي" على الحوار أيضًا.
خيارات "حزب الله"
رغم "السلبية" التي تغلّفها رسالة "حزب الله" إلى باسيل، يقول العارفون إنّ الموقف بين طيّاته لم يتغيّر، فالحزب لم ينعَ الحوار مع "التيار"، ولم يعلن انتفاء حظوظ التوصّل إلى توافق أو تفاهم، لكنّ ما قاله هو أنّ خياراته "مفتوحة"، وهو ما يحاول "الحزب" التأكيد عليه في الآونة الأخيرة، من خلال إبداء "انفتاحه الكامل" على الحوار، من دون شروط مسبقة، وبعيدًا عن معادلة "فرنجية أو الفراغ" التي يروّج لها البعض.
هنا، قد تُفهَم رسالة "الخيارات المفتوحة" بطريقتين، فهو قد يقصد منها، أنّه جاهز للمضي بأيّ خيار، إن كان "يضمن" له وصول مرشحه، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، إلى بعبدا، وهو ما لا يخفى على أحد أنّه "هدفه الأساسي" من الحوار مع "التيار"، ولذلك فهو ربما يحاول "الضغط" على باسيل لحسم موقفه، وهو ما يفسّر أيضًا "تشدّد" قياديّي الحزب في مواقفهم الأخيرة، لجهة التمسّك بفرنجية ثمّ فرنجية ثمّ فرنجية.
أما الطريقة الثانية، والتي لا يستبعدها العارفون، فتقوم على أنّ الخيارات "مفتوحة" بالفعل بالنسبة إلى "حزب الله"، الذي قد لا يمانع السير بـ"تسوية رئاسية" ولو على حساب باسيل، يمكن أن تكون على اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، خصم باسيل الأول، والاسم الأكثر إثارة لـ"استفزازه" إن جاز التعبير، ولو أنّ مثل هذا الخيار لا يزال مؤجَّلًا في أجندة "حزب الله"، الذي قد يجد فيه "نقطة قوة" في استراتيجية "الضغط".
قد لا تحمل رسالة "حزب الله" إلى باسيل جديدًا، إن فُهِم على أنّه "ثبات" على التمسّك بترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، واستعداد للسير بأيّ "طريق" يمكن أن تضمن له وصوله إلى رئاسة الجمهورية في نهاية المطاف. لكنّ هذه الرسالة تحمل بين طيّاته موقفًا مبطنًا "متجدّدًا" باتجاه باسيل، قد يُفهَم "سلبًا" على وقع "استفزازات" الأخير غير المتناغمة مع الحوار، أو بالحدّ الأدنى، "ضغطًا عليه"، هذا إن حسُنت النوايا!