في منتصف الشهر الأول من هذا العام فُجع اللبنانيون بخبر انتحار شابة لم يتجاوز عمرها العشرين ربيعًا.. بعدها بأيام معدودة أنهى أحد الشباب حياته بإطلاق رصاصة على رأسه بشكل مباشر، لتتوالى معها حوادث الإنتحار في بلد تعجُّ فيه المشكلات الإقتصادية والإجتماعية والضغوط اليومية التي تعتبر عنصرا فعّالا في اتخاذ القرار بالاستسلام لهذه الاوضاع.
"لبنان 24" حصل بالتفصيل على الأرقام الرسمية التي توضح الصورة العامة لاتجاه معدل جريمة الإنتحار، إذ يشير مصدر أمني إلى أن حالات الإنتحار لا تزال أرقامها مرتفعة، إلا أنّها وبالمقارنة مع أرقام السنة الماضية فإنها تشهد انخفاضًا ملحوظًا.
قبالأرقام، قد سُجّل لتاريخ 31 آب من هذا العام 113 حالة انتحار في مختلف الأراضي اللبنانية، أو تلك التي تمّ إعلام الجهات الرسمية والأمنية بها، علمًا أن هذا الرقم مرجّح للإرتفاع إذ إنّ هناك العديد من الحالات يتمُّ التكتم عنها خوفًا من "الفضيحة" أو لأسباب دينية.
فأين توزّعت هذه الأرقام؟
حسب الأرقام التي حصل عليها "لبنان24" فإن محافظة جبل لبنان شهدت النسبة الأعلى من حالات الإنتحار إذ سجّلت 55 حالة في غضون 8 أشهر، لتنخفض الأرقام إلى قرابة النصف في محافظة البقاع التي سجلت 23 حالة، و20 حالة انتحار في الشمال، و12 حالة انتحار في الجنوب، وأربع حالات في بيروت.
وشهد شهرا آذار وتموز العدد الأعلى من الحالات حيث سجّل خلال كل شهر 17 حالة، وسُجّل في شهري نيسان وحزيران 14 حالة انتحار، وأيار 15 حالة انتحار، و10 حالات انتحار في شباط، و 11 حالة انتحار في كانون الثاني.
حسب المصادر المتابعة، فإن الأرقام من شأنها أن تتفاوت نسبةً إلى العديد من العوامل أهمها الإقتصادية، فمثلا تفيد المعطيات بأن محافظة جبل لبنان تعاني من أزمة بطالة كبيرة، تتفوق بمعدلاتها على أي محافظة أخرى، كما تشهد هذه المحافظة نسب طلاق عالية ما يشير إلى اشتداد الأزمات الاجتماعية إلى جانب المشكلات الإقتصادية، وهذان مؤشّران كافيان لمعرفة أسباب ارتفاع أرقام الإنتحار داخل هذه المحافظة، علمًا أن الأوضاع الإقتصادية في مختلف المحافظات الأخرى هي شبيهة لمحافظة جبل لبنان، إلا أنّها ليست بالحدّية هذه.
السلاح العنصر الأساسي
على مقلب آخر مؤشّر خطير شهدته الأرقام ألا وهي طريقة الإنتحار، إذ أنهى 54 شخصًا حياتهم عن طريق إطلاق النار بشكلٍ مباشر على أنفسهم، أي ما يعني 50% من حالات الإنتحار، وهذا ما يدلُّ على أمر خطيرٍ جدًا على حدّ وصف أحد المصادر الأمنية، الذي أشار خلال حديثه لـ"لبنان24" إلى أن السلاح المتفلت وسهولة الحصول عليه ساهما برفع أرقام الإنتحار، خاصة وأن المنتحرين يلجأون إلى هذه الطريقة اقتناعًا منهم بأنّها الطريقة الأسهل والأسرع كي لا يتعذبوا."
ويتساءل المصدر:" كيف يمكن لفئة شبابية لا يستهان بها أن تحصل على قطعة سلاح تنهي بها حياتها بهذه السهولة.. وأين هم الأهل الذين تقع على عاتقهم المسؤولية الأكبر؟"
بالتوازي أشارت الأرقام إلى أن 32 شخصًا أنهوا حياتهم شنقًا، و18 شخصًا عبر رمي أنفسهم من أماكن مرتفعة، و7 أشخاص من خلال تناول مواد سامة، وشخصين من خلال خنق أنفسهم بالغاز..
الذكور يعانون أكثر من الإناث
إلى جانب الأوضاع الإقتصادية الصعبة، يعاني أرباب المنزل، خاصةً الآباء، أو الأبناء في حال غياب آبائهم من مسؤولية تأمين احتياجات العائلة، وهذا ما يدفعهم إلى وضع حدّ لحياتهم في حال شحّ مصادر الدخل أو انعدامها، وما شهده لبنان منذ بضعة أشهر من رسائل صوتية أو مكتوبة لأباء أنهوا حياتهم لعدم قدرتهم على إعانة أولادهم خير مثال على ذلك.
وبحسب الأرقام التي حصل عليها "لبنان 24"فإن من أصل 113 حالة انتحار، 90 منها قام بها ذكور بمعدل 79%، و24 هو عدد الإناث المنتحرات بمعدل 21%، يتوزعون على 81 شخصًا من الجنسية اللبنانية، 24 من الجنسية السورية، و3 أثيوبيات، اضافة إلى جنسيات أجنبية أخرى.
منال، وهي مديرة إحدى الجمعيات الأهلية تشرح لـ"لبنان 24" أسباب تفاوت الأرقام بشكل كبير بين الذكور والإناث، إذ تعزو هذه الأرقام إلى المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الذكور ، ناهيك عن تردي أوضاع العمل، وعدم استطاعتهم تلبية طلبات عائلتهم، أو أسرتهم في حال كان متزوجًا.
علمًا أن 46 شخصًا من بين الحالات المنتحرة تراوحت أعمارهم بين 24 و38 عامًا، و29 شخصًا تراوحت أعمارهم بين 9 و23 عامًا، و23 شخصًا تراوحت أعمارهم بين 39 و53 عامًا.
وتضيف منال خلال حديثها أن عدم قدرة هؤلاء على تأمين عمل خارج لبنان، والذي كان يعتبر "الخرطوشة الأخيرة" لهم، ساهم بتأزم حالتهم ما عزّز أن يتم اتخاذ قرار الإنتحار، خاصةً وأن الأرقام تشير إلى أن النسبة الأكبر هي من فئة الشباب.
أما عن عدد النساء المنتحرات فتشير منال إلى أن أكثر الأسباب شيوعًا للإنتحار عند النساء تتمثل "بالتخلص من الفضيحة"، إذ تشير إلى أن هناك العديد من الحالات حصلت عليها الجمعية توضح اتجاه الإناث إلى الإنتحار بدلا من مواجهة عائلاتهم ومجتمعهم، علمًا أن هناك العديد من الحالات لم يتم التبليغ عنها.