كتب مجد بو مجاهد في" النهار": تتحضّر الحكومة اللبنانية لاحتمال "الاشتعال التأزّمي" للمناوشات الناريّة على الحدود اللبنانية الجنوبية مع إبقاء تصوُّر الاندلاع الحربيّ في الحسبان إذا استمرّ تصاعُد وتيرة القذائف والغارات. وفي السياق، بدأت توضع الحذافير الأساسية لخطّة استباقية تعدّها حكومة تصريف الأعمال مهما بدت ترجيحات تمدُّد الحرب بعيدة. وإذ ترأَس الرئيس نجيب ميقاتي اجتماع هيئة إدارة الكوارث في الساعات الماضية، بدأت تنبثق بعض الاستعدادات البارزة على مستوى الوزارات للتعامل مع أي طارئ قد يستجدّ.
وحصلت "النهار" على تفاصيل خريطة وَزَّع خلالها الاجتماع الحكوميّ المناطق اللبنانية بين ثلاثة ألوان مستوحاة من الإشارة المرورية. ولوِّنت مناطق أساسية في محافظات الجنوب والنبطية وبعلبك الهرمل إضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت وتخوم البقاع الغربي، باللون الأحمر، ما يُمثّل الأقضية التي يُحتمل تعرّضها لهجوم أو اعتداء إذا تدهورت الأوضاع. واعتُبرَت هذه الأقضية الأكثر عرضة لاندلاع معارك ووضعت صيغة حيال كيفية التعامل مع أي مهجّرين قد يحتاجون إلى مستشفيات وإسعافات وتأمين المتطلبات الأساسية للسّكان. وحُدّدت مناطق أًخرى باللون الأصفر واعتبرت بمثابة مناطق دعم طارئ للإنقاذ والإسعاف والإيواء الأوليّ لسكان المناطق المعتبرة عرضة لأيّ هجوم. وهذا ما يشمل مدينتي صور وصيدا وقضاء زحلة ومناطق ضمن البقاع الغربي والعاصمة بيروت. واعتمد اللون الأخضر للمناطق المتبقية على الخريطة اللبنانية في اعتبارها مناطق للدعم اللوجستي وكذلك للإيواء. وتجدر الإشارة إلى اعتبار جوار صيدا ومناطق الشوف وعاليه والمتن الشمالي وزحلة والبقاع الغربي المناطق الأساسية للإيواء استناداً إلى تجربة 2006.
وكذلك، ركّزت العناوين المتداولة في الاجتماع الوزاري على وضع نقاط متعلّقة بالأمن الغذائي والصحة والطوارئ والإيواء والطرقات والأشغال واللوجستيات والاتصالات والمياه والبنية التحتية والحماية الأمنية تحسباً لأيّ طارئ. وبدأت وزارة الصحة تضع عملاً تحضيرياً للمستشفيات والإسعافات الأولية وكيفية معالجة الجرحى والمستلزمات الطبية الموجودة. وتحضِّر وزارة الاتصالات تدابير متعلقة بالمسائل اللوجستية. وتضع وزارة الأشغال نقاطاً متعلقة باللوجستيات الخاصة في الطرقات والجسور والمرافئ والمطار. ويناقَش موضوع الإيواء بين وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة إضافةً إلى تداول وزارة الشؤون في نقاط أولية لناحية قضايا الإغاثة وتوزيع المساعدات. وتَدرس وزارة الطاقة وضع الكهرباء والمياه.
وفي غضون ذلك، يؤكّد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين الذي يواكب التفاصيل الشاملة للخطة الموضوعة، "تحضير جهوزية الوزارات اللبنانية من خلال وضع خطط استباقية في حال استجد أي عدوان حربيّ على الأراضي اللبنانية، مع الآمال في قدرة الاتصالات السياسية القائمة على الحؤول من دون أي حرب علماً أن التجارب الماضية تحتّم ضرورة الجهوزية لأي تدهور في الأوضاع الامنية إذا حصل. وإذ تعمل كل وزارة من نواحي متعدّدة في ما يتعلّق بالقطاعات، مع وضع كلّ منها عملاً استباقياً وخطة احترازية لكيفية التعامل مع استجداد أي اعتداء اسرائيلي. وتنطلق التصوّرات الموضوعة من تجربة حرب تموز 2006 وكذلك من مقارنة الأوضاع على نطاق قطاع غزّة". ويقول ياسين لـ"النهار" إن "الخطة ستقوم على اعتماد لجنة تنسيق مركزية في الأزمات والكوارث تحت قيادة المجلس الأعلى للدفاع التي ستُركّز الخطوات على المستوى المركزيّ ثم تُرسَل إلى المستوى المحليّ في إطار تنسيق على مستوى القائمقامين والمحافظين. وهناك تحضيرات لدعوة هيئات المنظمات الدولية والأمم المتحدة المعنية في شؤون الإغاثة إلى السرايا الحكوميّ في الساعات المقبلة".
وتتضمن الخطة اللوجستية التي طُرحت وفق إضاءات الوزير ياسين، "إمكان استخدام مرافئ إضافية اذا تعرّضت بيروت لأي هجوم وعلى رأسها مرفأ طرابلس، والحال نفسها بالنسبة إلى إمكان استخدام مطارات عسكرية إذا تعرّض مطار بيروت لأي اعتداء ما يشمل مطارات رياق وحامات والقليعات المستخدمة راهناً كمطارات عسكرية ويمكن استعمالها لجلب المساعدات إذا تدهورت الأوضاع. ويتبلور أساس العمل في فهم الجهوزية والحاجات وكيفية التنسيق على مستوى القضاء بالتعاون مع المحافظين. وتقوم وحدة العمل والتنسيق المقترحة على مستويي القائمقامين والمحافظين بالتعاون مع اتحادات البلديات". وحول إذا كان في استطاعة لبنان تحمّل تبعات أي حرب محتملة وسط انهيار اقتصادي والتردي الحاصل للبنى التحتية وتفاقم أزمة النزوح، يجيب ياسين: "لا قدرة إطلاقاً... لكن ذلك لا يلغي ضرورة الجهوزية في حال تعرّض البلاد لأي عدوان. وإذا دُرست المعطيات المتعلّقة بفهم المخاطر، فإنّ لبنان قد يتعرّض لحال طوارئ متعددة الجوانب في ظلّ قطاعات تعاني الأزمات وغياب الدعم المالي وانتفاء القدرة الحضورية للمؤسسات الخاصة من ناحية العديد والمستلزمات والتجهيزات ما يجعل الأوضاع مختلفة عن عام 2006 التي تعرّض فيها لبنان لأزمات كبيرة؛ فماذا في ظلّ الأوضاع الحالية؟".
يبقى المعطى الأساسي بالنسبة الى رئاسة الحكومة في القيام بالمساعي الديبلوماسية الممكنة لتلافي الحرب واتباع الإجراءات السياسية بهدف تحصين الموقف اللبناني والميدانيّ من خلال الوزارات والإدارات المختصّة لمواجهة أي طارئ. وانطلاقاً من إيضاحات أوساط رئاسة الحكومة اللبنانية لـ"النهار"، يُبنى موقف رئيس الحكومة المتّخذ على ثلاثة اتجاهات: "ديبلوماسي وسياسي وميداني. وتقوم الحكومة بما يعتبر مطلوباً منها لكن المسألة ليست محصورة بين يَدَي مجلس الوزراء بمفرده والمطلوب تكاتف جميع القيادات اللبنانية مع الحكومة بغية تقوية الموقف اللبناني ومواجهة التحديات القائمة". في الموازاة، يستمرّ الرئيس ميقاتي في إجراء اتصالاته العربية والدولية في سبيل الحضّ على عدم تمدّد اندلاع نيران الحرب إلى الجنوب اللبناني، مع تعبير أوساط رئاسة الحكومة عن تحميلها "مسؤولية المناوشات القائمة للجانب الاسرائيلي في اعتباره المسبّب الأساسي لردود الفعل الحاصلة جنوباً مع ضرورة عدم تطوّر المعارك لأنّ عدم الاستقرار يؤدّي إلى تبعات خطرة في التوازي. ويطلب ميقاتي كذلك وقف المجازر الاسرائيلية في غزّة التي تؤدّي إلى توتّرات لا إمكان للتكهّن بما يمكن أن تؤول إليه".
وإذ حصل التواصل بين رئاسة الحكومة اللبنانية والأمين العام للأمم المتحدة وعدد من المسؤولين الفرنسيين والأميركيين والمصريين والقطريين والاتراك والإيرانيين، تُعتبر هذه الدول جميعها بمثابة "جهات هادفة للبحث عن سبيل لإيجاد حلول السلمية ووقف المعارك المندلعة". وتتفاءل رئاسة الحكومة في حضور بعض الوزراء الذين كانوا قاطعوا سابقاً جلسات مجلس الوزراء للاجتماع الماضي ومن بينهم وزير الدفاع موريس سليم ووزير الطاقة وليد فياض ما يُشكّل، في رأيها، "معطى من شأنه التعبير عن موقف أكثر قوّة للحكومة"، في وقت يُنتظر انعقاد جلسة حكومية في الساعات المقبلة للتطرّق إلى الواقع السياسي المرتبط بالأوضاع جنوباً إضافة إلى جدول الأعمال. وهنا، تأمل رئاسة الحكومة مشاركة جميع الوزراء في الانعقاد الحكوميّ.