يعمل "حزب الله" بشكل جدي على رفع مستوى التصعيد العسكري من جنوب لبنان من دون ان يعني ذلك الذهاب الى حرب شاملة، لكن الحزب لم يعد مكتفياً بمنسوب التصعيد الحالي ويحاول ايجاد مداخل أخرى يتمكن من خلال من توجيه ضربات أكثر إيذاء لاسرائيل بالتزامن مع زيادة منسوب انخراطها بالحرب البرية في غزة وذلك لمنع جيشها من التفرغ للجبهة جنوب فلسطين واستنزاف المقاومة الفلسطينية.
هذا التصعيد بدأ يظهر من خلال استخدام الحزب اسلحة دفاع جوي فعالة ضد المسيّرات الاسرائيلية والأحاديث المتزايدة عن استخدامه منظومات اكثر تطورا للصواريخ المضادة للدروع، كان قد كشف عنها قبل اشهر قليلة، من هنا يظهر أن الحزب مصر على تحقيق أهداف معينة عبر هجماته المنظمة ضد المواقع العسكرية الاسرائيلية، وهذا يخدم المعركة الحالية ومرحلة ما بعد انتهائها ايضاً..
واهم هذه الاهداف هو تعطيل قدرة اسرائيل على الاستطلاع والرصد من خلال استهداف التقنيات في كل المواقع وهو ما يركز عليه الحزب بشكل كبير، وهو ايضا ما سيجعله يفرض معادلة تتيح له استهداف هذه التقنيات حتى بعد انتهاء المعركة في غزة والتوترات عند الحدود، ضف الى ذلك كسره النهائي لقواعد الاشتباك لصالحه، فمن يضمن الا يستمر الحزب عملياته العسكرية الاستنزافية في مزارع شبعا بعد توقف اطلاق النار في غزة.
تصعيد الحزب المدروس، وعدم دخوله في كباش عسكري كبير، يعود لاسباب كثيرة، احدها الوضع الداخلي الذي يبدو انه بات مريحاً بالنسبة لحارة حريك، خصوصا في ظل حصول ثلاثة تحولات اساسية، التحول الاول أصاب الشارع السنّي الذي يعتبر المعركة التي تحصل في غزة معركته قبل ان تكون معركة "حزب الله" وبدأ يتماهى مع حراك الحزب العسكري خصوصا في ظل مشاركة بعض التنظيمات الفلسطينية بالعمليات جنوبا وكذلك الجماعة الاسلامية.
اما التحول الثاني والذي لا يقل اهمية هو الذي احدثه النائب السابق وليد جنبلاط في الشارع الدرزي اذ ان الرجل يخوض معركة اعلامية وسياسية واضحة دعما لغزة ولم تقتصر مواقفه على دعم "حزب الله" افتراضياً بل أسس لخطوات كبيرة من أجل الاستعداد للاسوأ واستيعاب المهجرين من بيئة الحزب وتأمين المأوى لهم ومساعدتهم، وهذا بحد ذاته يحقق الكثير من الارتياح بالنسبة للحزب.
التحول الثالث هو عودة التحالف بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" الى سابق عهده بعدما اعاد رئيس "التيار" جبران باسيل تموضعه، وأعلن تأييده الكامل لخطوات الحزب العسكرية، وهذا يحسن، وان بشكل جزئي، واقع الشارع المسيحي الذي كان بدأ ينسلخ بالكامل عن تقاربه مع الحزب. هكذا بدأ "حزب الله" يجد انه مرتاح بشكل كبير في الداخل اللبناني ما يتيح له رفع وتيرة التصعيد بما لا يوصل الى افتعال حرب لا يزال معظم اللبنانيين يرفضونها.